للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونعوت جلال يختص بها لذاته. فلبَّستم على المخدوعين المغرورين، وأوهمتموهم أنه لو كان فوق عرشه موصوفًا بصفات الكمال يُرى بالأبصار عيانًا يوم القيامة؛ لم يكن إلهًا واحدًا، وكان هناك آلهة متعددة، وقدماء متغايرة، وأعراض وأبعاض، وحدود وجهات، وتكثُّر وتغير، وتحدد وتجدد، وتجسم وتشبيه وتركيب. وأكثر النَّاس إذا سمعوا هذه الألفاظ نفرت عقولهم من مسمَّاها، ونَبَتْ (١) أسماعهم عنها.

وقد علم المؤمنون المصدقون للرسول العارفون بالله وصفاته وأسمائه أنكم توسلتم بها إلى نفي صفاته وأفعاله وحقائق أسمائه، فلم ترفعوا بها رأسًا، ولم تروا لها حرمة، ولم ترقبوا فيها ذمة، وغرَّت ضعافَ العقول الجاهلين بحقائق الإيمان فضلُّوا بها، وأضلوا كثيرًا، وضلوا عن سواء السبيل.

فلفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتًا، فتكون له حرمة الإثبات، ولا نفيًا، فيكون له إلغاء النفي، فمن أطلقه نفيًا أو إثباتًا سُئل عمَّا أراد به. فإن قال: أردت بالجسم (٢) معناه في لغة العرب، وهو البدن الكثيف الذي لا يُسمَّى في اللغة جسمٌ سواه، فلا (٣) يُقال للهواء جسم لغةً، ولا للنار ولا للماء، فهذه اللغة، وكُتُبها بين أَظهُرنا = فهذا المعنى منفيٌّ عن الله عقلًا وسمعًا. وإن أردتم به المركب من المادة والصورة، أو المركب من الجواهر


(١) «ح»: «وبث». والمثبت هو الصواب، يقال: نبا الشيء عني ينبو: أي تجافى وتباعد. «الصحاح» (٦/ ٢٥٠٠).
(٢) «ح»: «الجسم». والمثبت من «م».
(٣) «ح»: «ولا». والمثبت من «م».