للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفردة (١)؛ فهذا منفيٌّ عن الله قطعًا، والصواب نفيه عن الممكنات أيضًا، فليس الجسم المخلوق مركبًا من هذا ولا من هذا.

وإن أردتم بالجسم ما يُوصف بالصفات، ويُرى بالأبصار، ويتكلم ويكلم، ويسمع ويُبصر، ويرضى ويغضب؛ فهذه المعاني ثابتة للربِّ تعالى وهو موصوفٌ بها، فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسمًا؛ كما أنا لا نسبُّ الصَّحابة لأجل تسمية الروافض لمن يحبهم ويواليهم نواصبَ، ولا ننفي قَدَرَ الربِّ ونكذِّب به لأجل تسمية القدرية لمن [ق ٥٩ أ] أثبته جبريًّا، ولا نرد ما أخبر به الصَّادق عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله لتسمية أعداء الحديث لنا حشوية، ولا نجحد صفات خالقنا وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه لتسمية الفرعونية المعطلة لمن أثبت ذلك مجسمًا مشبهًا.

فَإِنْ كَانَ تَجْسِيمًا ثُبُوتُ اسْتِوَائِهِ ... عَلَى عَرْشِهِ إِنِّي (٢) إِذًا لَمُجَسِّمُ

وَإِنْ كَانَ تَشْبِيهًا ثُبُوتُ صِفَاتِهِ ... فَمِنْ ذَلِكَ التَّشْبِيهِ لَا أَتَكَتَّمُ

وَإِنْ كَانَ تَنْزِيهًا جُحُودُ اسْتِوَائِهِ ... وَأَوْصَافِهِ أَوْ كَوْنِهِ يَتَكَلَّمُ

فَعَنْ ذَلِكَ التَّنْزِيهِ نَزَّهْتُ رَبَّنَا ... بِتَوْفِيقِهِ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْظَمُ (٣)

ورضي الله عن الشَّافعي حيث فتح للناس هذا الباب في قوله (٤):


(١) الجوهر الفرد: هو الجزء الذي لا يتجزأ، وهو جوهر ذو وضع لا يقبل القسمة لا قطعًا ولا كسرًا، ولا وهمًا ولا فرضًا. «دستور العلماء» (١/ ٢٦٩).
(٢) «ح»: «أنا». والمثبت من «م».
(٣) الظاهر أن هذه الأبيات للإمام ابن القيم نفسه، وليست من قصيدته الميمية المشهورة.
(٤) البيتان في «ديوان الشافعي» (٨٠).