للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمجرد كونه سببًا، بل بكونه سببًا على وجه الإرادة والاختيار، حتى لو قال قائل: الجدار ليس بفاعلٍ، والحجر ليس بفاعلٍ، والجماد ليس بفاعلٍ، وإنما الفعل للحيوان = لم ننكر ذلك، ولم يكن قوله كذبًا. وللحجر فعلٌ عندهم، وهو الهُوِيُّ إلى السفل والميل إلى المركز، كما أن للنار فعلًا، وهو التسخين، وللحائط فعلًا، وهو الميل إلى المركز ووقوع الظل؛ لأن ذلك صادرٌ عنه، وهذا محالٌ».

قال (١): «فإن قيل: كل موجودٍ ليس بواجب الوجود لذاته، بل هو موجودٌ بغيره، فإنا نُسمي ذلك الشيء مفعولًا، ونُسمي سببه فاعلًا، ولا نُبالي كان المسبب فاعلًا بالطبع أو بالإرادة، كما أنكم لا تُبالون أنه كان فاعلًا بآلةٍ أو بغير آلةٍ، بل الفعل (٢) جنسٌ ينقسم إلى ما يقع بآلةٍ وإلى ما يقع بغير آلةٍ، فكذلك هو جنسٌ ينقسم إلى ما يقع بالطبع وإلى ما يقع بالاختيار، بدليل أنَّا إذا قلنا: فِعْلٌ بالطبع، لم يكن قولنا «بالطبع» ضدًّا لقولنا «فعل» ولا دفعًا ولا نقضًا له، بل كان بيانًا لنوع الفعل، كما إذا قلنا: فعل مباشرةً (٣) بغير آلةٍ، لم يكن نقضًا، بل كان تنويعًا وبيانًا، وإذا قلنا: فعل بالاختيار، لم يكن تَكرارًا، بل كان بيانًا لنوع الفعل، كقولنا: فعل بآلةٍ. ولو كان قولنا «فعل» يتضمن الإرادة وكانت الإرادة ذاتية للفعل من حيث إنه فعل لكان قولنا «فعل بالطبع» متناقضًا كقولنا: فعل وما فعل.

قلنا (٤): هذه التسمية فاسدةٌ. لا يجوز أن يُسمَّى كل سببٍ بأي وجهٍ كان


(١) «تهافت الفلاسفة» (ص ١٣٥ - ١٣٨).
(٢) «ح»: «لعقل». والمثبت من «م»، «تهافت الفلاسفة».
(٣) «ح»: «مباشر». والمثبت من «م»، «تهافت الفلاسفة».
(٤) القائل هو الغزالي في «تهافت الفلاسفة».