للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاعلًا، ولا كل سبب مفعولًا. ولو كان ذلك ما صحَّ أن يُقال: الجماد لا فعل له، وإنما الفعل للحيوان. وهذه من الكليات (١) المشهورة الصَّادقة. فإن سُمي الجماد فاعلًا فبالاستعارة، كما يُسمى طالبًا مريدًا على سبيل المجاز، إذ يُقال: الحجر يَهوِي لأنه يريد المركز ويطلبه. والطلب والأمر حقيقة لا يتصور إلَّا مع العلم بالمراد المطلوب، فلا يتصور إلَّا مع الحيوان.

وأمَّا قولكم: «إن قولنا «فعل» عامٌّ، وينقسم إلى ما هو بالطبع وإلى ما هو بالإرادة» [فهو] (٢) غير مسلَّمٍ، وهو كقول القائل: قولنا «أراد» عامٌّ، وينقسم إلى من يريد مع العلم بالمراد، وإلى من يريد ولا يعلم ما يريد. وهو فاسد؛ إذ الإرادة تتضمن العلم بالضرورة، وكذلك الفعل يتضمن الإرادة بالضرورة.

وأمَّا قولكم: «إن قولنا «فعل بالطبع» ليس بنقضٍ للأول»، فليس كذلك، فإنه نقضٌ له من حيث الحقيقة، ولكنه لا يسبق إلى الفهم التناقض (٣)، ولا يشتد نفور الطبع عنه، فإنه لمَّا أن كان سببًا بوجهٍ ما (٤) والفاعل أيضًا سبب [ق ٦٢ ب] سُمي فاعلًا مجازًا.

وإذا قال: «فعل بالاختيار» فهو تكرير على التحقيق كقوله: أراد وهو عالمٌ بما أراد، إلَّا أنه لمَّا تصور أن يُقال: «فعل» وهو مجازٌ، ويقال: «فعل» وهو حقيقةٌ، لم تنفر النفس عن قوله «فعل بالاختيار» وكان معناه: فَعَلَ فعلًا حقيقيًّا لا مجازيًّا، كقول القائل: تكلم بلسانه ونظر بعينه. فإنه لمَّا جاز أن


(١) «ح»، «م»: «الكلمات». والمثبت من «تهافت الفلاسفة».
(٢) من «تهافت الفلاسفة».
(٣) «ح»: «فهم المتناقض». والمثبت من «م»، «تهافت الفلاسفة».
(٤) «ح»، «م»: «موجبا». والمثبت من «تهافت الفلاسفة».