للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يستعمل النظر في القلب مجازًا، أو الكلام في تحريك الرَّأس واليد مجازًا، لم يستقبح أن يُقال: قال بلسانه ونظر بعينيه (١). ويكون معناه نفي احتمال المجاز؛ فهذه مزلة القدم.

فإن قيل: تسمية الفاعل فاعلًا إنما تُعرف من اللغة، وإلَّا فقد ظهر في العقل أن ما يكون سببًا للشيء ينقسم إلى ما يكون مريدًا وإلى ما لا يكون، فوقع النِّزاع في أن اسم الفاعل على كلا القسمين حقيقة أم لا؛ إذ العرب تقول: النَّار تُحرِق، والثلج يُبرِّد، والسيف يَقطَع، والخبز يُشبِع، والماء يُروِي، فقولنا: «يقطع» معناه يفعل القطع، وقولنا: «تحرق» معناه تفعل الإحراق.

فإن قلتم: إن ذلك مجازٌ، فأنتم متحكمون من غير مستندٍ.

قال: والجواب أن ذلك بطريق المجاز، وإنما الفعل الحقيقي ما يكون بالإرادة. والدليل عليه أنَّا لو فرضنا حادثًا توقف حصوله على أمرين، أحدهما إرادي والآخر غير إرادي، أضاف العقل الفعل إلى الإرادي، فكذا اللغة. فإن من ألقى إنسانًا في نارٍ فمات، فيقال هو القاتل دون النَّار، حتى إذا قيل: ما قتله إلَّا فلان، كان صادقًا. فإن كان اسم الفاعل على (٢) المريد وغير (٣) المريد على وجهٍ واحدٍ لا بطريق كون أحدهما أصلًا والآخر مستعارًا، فلِمَ يُضاف القتل إلى المريد لغةً وعرفًا وعقلًا، مع أن النَّار هي العلة القريبة في القتل (٤)؟ وكأن الملقي لم يتعاطَ إلَّا الجمع بينه وبين النَّار،


(١) «م»، «تهافت الفلاسفة»: «بعينه».
(٢) «على» ليس في «ح»، «م». وأثبته من «تهافت الفلاسفة».
(٣) «ح»: «وعين». والمثبت من «م»، «تهافت الفلاسفة».
(٤) «ح»، «م»: «العقل». والمثبت من «تهافت الفلاسفة».