للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن لمَّا كان الجمع بالإرادة وتأثير النَّار بغير إرادة سُمي قاتلًا، ولم تُسمَّ النَّار قاتلة إلَّا بمعنى الاستعارة، فعُلم أن الفاعل من يصدر الفعل عن إرادته، وإذا لم يكن الله مريدًا عندهم ولا مختارًا للفعل (١) لم يكن صانعًا ولا فاعلًا إلَّا مجازًا.

فإن قيل: نحن نعني بكون الله فاعلًا أنه سبب لوجود كل موجودٍ سواه، وأن العالم قوامه به، ولولا وجود الباري لما تصور وجود العالم، ولو قدر عدم الباري لانعدم العالم، كما لو قدر عدم الشمس لانعدم الضوء، فهذا ما نعنيه بكونه فاعلًا، فإن كان الخصم يأبى أن يُسمي هذا المعنى فعلًا فلا مشاحَّة (٢) في الأسامي بعد ظهور المعنى.

قلنا: غرضنا أن نبيِّن أن هذا المعنى لا يُسمى فعلًا وصنعًا، وإنما يُسمى بالفعل والصنع ما يصدر عن الإرادة حقيقةً، وقد نفيتم حقيقة معنى الفعل، ونطقتم بلفظه تجملًا بالإسلام (٣)، ولا يتم الدِّين بإطلاق الألفاظ الفارغة عن المعاني، فصرِّحوا بأن الله لا فعل له، حتى يتضح أن معتقدكم مخالفٌ لدين المسلمين، ولا تُلَبِّسوا بقولكم إن الله صانع العالم، وإن العالم صنعه؛ فإن هذه لفظة أطلقتموها ونفيتم حقيقتها. ومقصود هذه المسألة الكشف عن هذا التلبيس فقط». ثم ساق الكلام إلى آخر المسألة.

قلت: ولا ريب أن أصولهم التي عارضوا بها الوحي تنفي وجود الصَّانع، فضلًا عن كونه صانعًا للعالم؛ بل تجعله ممتنع الوجود، فضلًا عن


(١) «تهافت الفلاسفة»: «لفعل العالم».
(٢) أي: لا مضايقة ولا منازعة. «الكليات» للكفوي (ص ٩٧٠).
(٣) «تهافت الفلاسفة»: «بالإسلاميين».