للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كونه واجب الوجود؛ لأن الصِّفات التي وصفوه بها صفات معدومٍ ممتنعٍ في العقل والخارج، فلا العقل يتصوره (١) إلَّا على سبيل الفرض الممتنع كما يفرض المستحيلات، ولا يمكن في الخارج وجوده، فإن ذاتًا هي وجود مطلق لا ماهية لها سوى الوجود المطلق المجرد عن كل ماهية، ولا صفة لها البتة، ولا فيها معنيان متغايران في المفهوم، ولا هي هذا العالم ولا صفة من صفاته، ولا داخلة فيه ولا خارجة عنه، ولا متصلة به ولا منفصلة عنه، ولا محايثة له ولا مباينة، ولا فوقه ولا تحته، ولا يمينه ولا يساره (٢)، ولا تُرى ولا يمكن أن تُرى، ولا تدرِك شيئًا، ولا تُدرك هي بشيءٍ من الحواس، ولا هي متحركة ولا ساكنة، ولا توصف بغير السلوب والإضافات العدمية، ولا تُنعت (٣) بشيءٍ من الأمور الثبوتية = هي بامتناع الوجود أحق منها بإمكان الوجود، فضلًا عن وجوبه. وتكليف العقل بالاعتراف بوجود هذه الذَّات ووجوبها كتكليفه الجمع بين النقيضين، ومعلوم أن مثل هذه الذَّات لا تصلح لفعلٍ ولا ربوبيةٍ ولا إلهيةٍ، وأي ذاتٍ فُرضت في الوجود فهي أكمل منها.

فالذي جعلوه واجب الوجود هو أعظم استحالة من كل ما يُقدر مستحيلًا. فلا يكثر عليهم بعد هذا إنكارهم لصفاته، كعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره، ولا إنكارهم لكلامه وتكليمه، فضلًا عن استوائه على عرشه ونزوله [ق ٦٣ أ] إلى سماء الدنيا، ومجيئه وإتيانه، وفرحه وحبه، وغضبه


(١) «ح»: «يتصور». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «يسرته». والمثبت من «م».
(٣) «ح»: «نفعت». والمثبت من «م».