ورضاه. فمَن هدم قواعد البيت من أصلها هان عليه هدم السقف والجدران! ولهذا كان حقيقة قول هؤلاء القول بالدهر، وإنكار الخالق بالكلية، وقولهم:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اَلدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا اَلدَّهْرُ}[الجاثية: ٢٣]. وإنما صانعوا المسلمين بألفاظٍ لا حقيقة لها.
واشتق إخوانهم الجهمية النفي والتعطيل من أصولهم، فسدُّوا على أنفسهم طريق العلم بإثبات الخالق وتوحيده (١) بمشاركتهم لهم في الأصل المذكور، وإن باينوهم في بعض لوازمهم، كإثباتهم كون الربِّ تعالى قادرًا مريدًا فاعلًا بالاختيار، وإثباتهم معاد الأبدان والنبوة، ولكن لم يثبتوا ذلك على الوجه الذي جاءت به الرُّسل، ولا نفوه نفي إخوانهم الملاحدة، بل اشتقوا مذهبًا بين المذهبين، وسلكوا طريقًا بين الطريقين، لا للملاحدة فيه وافقوا، ولا للرسل اتبعوا.
ولهذا عظمت بهم البلية على الإسلام وأهله بانتسابهم إليه، وظهورهم في مظهرٍ ينصرون به الإسلام، ويردون به على الملاحدة، فلا للإسلام نصروا، ولا لأعدائه كسروا، بل أتباع الرُّسل كفَّروهم وضلَّلوهم، وصاحوا بهم من أقطار الأرض: امتازوا من المسلمين أيها المعطلون، وانحازوا إلى إخوانكم من الملاحدة الذين هم بربهم يعدلون، وخَلُّوا عن نصوص الوحي، فكم بها تتلاعبون، فمرةً تقولون: هي أدلةٌ لفظيةٌ معزولةٌ عن إفادة العلم واليقين. ومرةً تقولون: هي مجازات واستعارات لا حقيقة لها عند العارفين. ومرةً تقولون: لا سبيل إلى تحكيمها والالتفات إليها وقد عارضها المعقول وقواطع البراهين. ومرةً تقولون: أخبار آحادٍ فلا يُحتجُّ بها في المسائل