للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: أنه وإن كان اللفظ عامًّا فإنه خصَّه بالقياس المذكور.

ومنها: أنه لم يعتقد أن الأمر للوجوب؛ بل حمله على الاستحباب، لأنه المتيقن، أو على الرجحان دفعًا للاشتراك والمجاز.

ومنها: أنه حمله على التراخي، ولم يحمله على الفور.

ومنها: أنه صان جناب الربِّ أن يُسجد لغيره، ورأى أنه لا يليق به السجود لسواه.

فبالله تأمَّل هذه التأويلات، وقابل بينها وبين كثيرٍ من التأويلات التي يذكرها كثيرٌ من النَّاس والمعارضات التي يعارض بها النصوص، وفي بني آدم من يصوِّب رأي إبليس وقياسه ويقول: الصواب معه، ولهم في ذلك تصانيف. وكان بشَّار بن بُرد الأعمى الشَّاعر على هذا المذهب. ولهذا يقول في قصيدته الرَّائية (١):

الْأَرْضُ مُظْلِمَةٌ سَوْدَاءُ مُقْتِمَةٌ ... وَالنَّارُ مَعْبُودَةٌ مُذْ كَانَتِ النَّارُ

ولمَّا علم الشيخ (٢) أنه قد أُصيب من معارضة الوحي بالعقل، وعلم أنه لا شيء أبلغ في مناقضة الوحي والشرع وإبطاله من معارضته بالعقول أوحى إلى تلامذته وإخوانه من الشبهات الخيالية ما يُعارض به الوحي، وأوهم


(١) أنشده له الجاحظ في «البيان والتبيين» (١/ ١٦) والمبرد في «الكامل» (٣/ ١١١١) والأصفهاني في «الأغاني» (٣/ ٢٦). وينظر «ملحقات ديوان بشار» (٤/ ٧٨)، وقد ذكره ابن القيم في «إغاثة اللهفان» (٢/ ٩٨٩) والشطر الأول فيه: «الأرض سافلة سوداء مظلمة» والرواية المشهورة: «الْأَرْضُ مُظْلِمَةٌ وَالنَّارُ مُشْرِقَةٌ».
(٢) يعني: إبليس لعنه الله.