للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخر منتفٍ. فأين في العقل المقطوع بحكمه أو المظنون ما يدل على نقيض ما أخبرت به الرُّسل بوجهٍ من وجوه الأدلة الصحيحة.

فالمسلمون يقولون: قد دلَّ العقل والوحي معًا على إثبات علم الربِّ تعالى آمرًا ناهيًا، وعلى كونه فوق العالم كله، وعلى كونه يفعل بقدرته ومشيئته، وعلى أنه يرضى ويغضب، ويُثيب ويُعاقب، ويُحب ويُبغض، فقد شهد بذلك العقل والنقل:

أمَّا النقل فلا يمكنكم المكابرة فيه.

وأمَّا العقل فلأن ذات الربِّ أكمل من كل ذاتٍ على الإطلاق، بل ليس الكمال المطلق التَّام من كل وجهٍ إلَّا له وحدَه، فيستحيل وصفه بما يضاد كماله، وكلُّ ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله فهو صفة كمالٍ، ثبوتها له أكمل من نفيها عنه. وقد اتفقت الأُمم على أن الله سبحانه موصوفٌ بالكمال منزَّهٌ عن أضداده، وإن تنازعوا في كون الصفة المعينة والفعل المعين كمالًا أو ليس بكمالٍ، والذين نفوه تخيلوا أن إثباته يستلزم النقص والحدوث، وأن الكمال في نفيه.

وإن كان كثيرٌ من طوائف [ق ٦٧ ب] بني آدم يستجيزون وصفه بالنقائص والعيوب مع علمهم بأنها عيوبٌ ونقائص.

كما صرَّحت به اليهود من قولهم: إنه فقير (١)، وإنه تعب لمَّا خلق العالم (٢)، وأنه بكى على الطوفان حتى رمدت عيناه وعادته الملائكة، وإنه


(١) قال الله عنهم: {لَّقَد سَّمِعَ اَللَّهُ قَوْلَ اَلَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اَللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ اُلْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ اَلْحَرِيقِ (١٨١) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اَللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [آل عمران: ١٨١ - ١٨٢].
(٢) رد الله تعالى كذبهم وافتراءهم فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: ٣٨].