للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل لكم: فكيف عقلتم ذاتًا قائمة بنفسها فاعلة لغيرها [ق ٦٨ أ] ليست بجسمٍ؟!

فإن قلتم: دلَّ الدليل على انتهاء الممكنات والمصنوعات إلى ذات هذا شأنها، فأثبتناها بالدليل.

قيل لكم: ودلَّ الدليل على انتهاء المخلوقات والمصنوعات إلى ذات موصوفةٍ بالصفات التي تُؤثر بها في المخلوقات ومقاديرها، وصفاتها وأشكالها وهيئاتها، وإعدامها بعد إيجادها (١)، وإيجاد بدلٍ (٢) منها، ودلالتُه على ذاتٍ هذا شأنها أعظم من دلالته على ذاتٍ مجردةٍ لا فعل لها ولا صفة ولا قدرة ولا مشيئة ولا إرادة.

فإن قلتم: يلزم من ثبوت صفاتها حدوثها، ولا يلزم من تجردها عنها حدوثها.

قيل لكم: بل يلزم من تجردها عنها عدمها، وامتناع وجودها، فلو لزم من ثبوت صفاتها ما لزم كان خيرًا من جحدها ونفيها بالكلية. كيف وتلك اللوازم التي ركبتم بعضها على بعضٍ فيها من التلبيس والتدليس والإجمال اللفظي والاشتباه المعنوي، ما إذا كُشف أمره تبيَّن أنها زَغَلٌ ومحالٌ، وأشد شيءٍ منافاة للعقل والسمع، وكل مقدماتها دعاوٍ كاذبةٌ باطلةٌ بصريح العقل والسمع.

فلا يلزم من كونه فوق سماواته على عرشه، يسمع ويرى، ويأمر وينهى، ويتكلَّم ويُكلِّم؛ أن يكون مركبًا من جواهر فردة، ولا من مادة وصورة، ولا أن يكون مماثلًا لخلقه. فدعوى هذا اللزوم عين البَهت والكذب


(١) بعده في «ح»: «وإيجادها». وهي كلمة زائدة.
(٢) «ح»: «بدلها». والمثبت هو الصواب.