للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس معكم دليلٌ واحدٌ صحيحٌ يدل على تركب الأجسام كما ذكرتم، فكيف ولو أقمتم الدليل على ذلك لم يلزم منه تركُّب خالق الأجسام وجواهرها وأعراضها ممَّا تركبت منه الأجسام بوجهٍ من الوجوه، سوى الدعوى الكاذبة، وهو أنه لو كان فوق عرشه أو موصوفًا بالصفات أو يُرى بالأبصار لزم أن يكون مركبًا.

وليس العجب من عقولٍ رضيت لنفسها بمثل هذا الهذيان حتى اعتقدَتْه غاية الغايات العقلية، ونهايات المعارف الإلهية والمباحث الحكمية، ثم قدَّمته على نصوص الوحي، فإن هذا في الأصل وضعُ من قصد معارضة الأنبياء ورد ما جاؤوا به؛ بل العجب من قوم صدَّقوا الأنبياء، وشهدوا أن الرَّسول حقٌّ، وجاءهم بالبينات، وعلموا أنه الصَّادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى} [النجم: ٤] ثم ولج هذا الهذيان في آذانهم فسمعوه (١)، ودخل إلى قلوبهم فقبلوه، وعظَّموا أصحابه، وسمَّوْهم المحققين، وقدَّموا أقوالهم على نصوص الوحي المبين، فضلًا عن تقديمه على كلام الصَّحابة والتَّابعين. ولقد أحسن القائل فيهم وإن قصد سواهم (٢):

خَفَافِيشُ أَعْشَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ ... وَلَاءَمَهَا قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ

وهذه الحجة الدَّاحضة باطلةٌ من أكثر من سبعين وجهًا تُذكر في غير هذا


(١) «ح»: «فسموا». والمثبت هو الصواب.
(٢) البيت لابن الرومي في «ديوانه» (١/ ١٥٧) وقافيته: «غيهبُ» وكذا أنشده له: الحسن بن وكيع في «المنصف للسارق والمسروق منه» (ص ٣٧٣) والثعالبي في «التمثيل والمحاضرة» (ص ٣٧٤).