للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموضع. فلا يلزم من استوائه على عرشه، وثبوت صفات كماله، وتكلمه وتكليمه، ورؤيته بالأبصار؛ أن يكون جسمًا بالمعنى الذي اصطلحوا عليه. ولو لزم أن يكون جسمًا لم يلزم أن يكون مركبًا بالاعتبار الذي ذكروه. ولو لزم أن يكون مركبًا لم يلزم أن يكون مفتقرًا إلى مركبٍ ركَّبه، ولا محتاجًا إلى غيره بوجهٍ من الوجوه. ولو لزم أن يكون جسمًا مركبًا لم يلزم أن يكون مماثلًا للأجسام بوجهٍ من الوجوه [ق ٦٨ ب].

فشيءٌ من ذلك غير لازمٍ لعلوه على عرشه وثبوت صفاته، لا عقلًا ولا سمعًا إلَّا بالدعاوى الكاذبة، حتى لو قُدِّر لزوم ذلك كله لكان التزامه أسهل من تعطيل علوِّه على عرشه، وتعطيل كلامه، وإبطال أمره ونهيه، وتعطيل صفاته وأفعاله، وجعله بمنزلة المعدوم الممتنع الذي لا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا له فعلٌ يقوم به، ولا صفة كمالٍ يتصف بها، فلا يسمع ولا يُبصر، ولا يعلم ولا يقدر، ولا يريد ولا يفعل (١) شيئًا؛ فأي ذاتٍ من الذوات المخلوقة المتصفة بذلك فُرضت فهي أكمل من هذه الذَّات.

وقد تقدَّم (٢) أن الدليل العقلي الصحيح إنما دلَّ على انتهاء المخلوقات إلى خالقٍ واحدٍ قديمٍ غير مخلوقٍ ولا مصنوعٍ ولا محتاج إلى سواه بوجهٍ من الوجوه، وكل ما عداه محتاجٌ إليه من جميع الوجوه؛ ولم يدل على أن هذا الواحد سبحانه معطلٌ عن الأفعال والصفات وحقائق الأسماء الحُسنى. وأن الدليل العقلي إنما دلَّ على خلاف ذلك، وأنه أحقُّ بكل صفة كمالٍ من غيره، وأن كل كمالٍ ثبت للمخلوق لا نقص فيه، فلا يستلزم نقصًا؛ فمعطيه


(١) «ح»: «يعقل». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) تقدم (ص ٦٤٨).