للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وموجده أحقُّ به وأولى:

فكيف يكون المخلوق يتكلم، وخالقه لا يتكلم؟!

وكيف يكون سميعًا بصيرًا، وخالقه لا يسمع ولا يبصر؟!

وكيف يكون حيًّا عليمًا قديرًا حكيمًا، وخالقه ليس كذلك؟!

وكيف يكون ملِكًا آمرًا ناهيًا مرسلًا مثيبًا معاقبًا، وخالقه ليس كذلك؟!

وكيف يكون فاعلًا باختياره ومشيئته، وخالقه ليس كذلك؟!

وكيف يكون قويًّا، وخالقه ليس له قوة؟!

وكيف يكون رحيمًا، وخالقه لم تقم به صفة رحمة ولا رأفة؟

وكيف يكون كريمًا حليمًا جوادًا ماجدًا، وخالقه ليس كذلك؟!

هذا ومن المعلوم بالضرورة أن ما يُرى أكمل ممَّن لا يمكن أن يُرى؛ فإنه إمَّا معدومٌ، وإما عرضٌ، والمرئي أكمل منهما.

وما يتكلم أكمل ممَّن لا يتكلم، فإنه إمَّا جمادٌ وإمَّا عرضٌ وإمَّا معدومٌ، والمتكلم أكمل من ذلك.

وما له سمعٌ وبصرٌ ووجهٌ ويدان أكمل من الفاقد لذلك بالضرورة.

وهكذا سائر الصِّفات، فلا أحسن الله في تلك العقول عن أصحابها إذا أحسن عن الصَّابئين (١)، ولا حيَّاها بما حيَّى به عباده المرسلين، ولا زكَّاها بما زكَّى به أتباعهم من المؤمنين، ونسأله ألَّا يبتلينا بما ابتلاهم به من مفارقة


(١) كذا جاءت هذه العبارة في «ح»، ولم أفهم معناها، ولعلها مصحفة.