للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه لن ينجو نجَّاه الله تعالى بعفوه ومغفرته ورحمته، فإذا ناقشه الحساب عذَّبه ولا بدَّ.

ولمَّا قال: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. قالت له حفصة: أليس الله يقول: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧٠] قال: أَلَمْ تَسْمَعِي قَولَهُ تَعَالى: {ثُمَّ نُنَجِّي اِلَّذِينَ اَتَّقَوا وَّنَذَرُ اُلظَّالِمِينَ فِيهَا جُثِيًّا} [مريم: ٧١]» (١). فأشكل عليها الجمع بين النصين، وظنت الورود دخولها، كما يُقال: ورد المدينة، إذا دخلها. فأجابها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ورود المتقين غير ورود الظَّالمين، فإن المتقين يردونها ورودًا ينجون به من عذابها، والظَّالمين يردونها ورودًا يصيرون جثيًّا (٢) فيها به، فليس الورود كالورود.

وقال عمر يوم الحديبية: «ألم تكن تحدثنا أنَّا نأتي البيت ونطوف به. فقال: هَلْ قُلْتُ لَكَ: إِنَّكَ تَدْخُلُهُ الْعَامَ؟ قال: لا. قال: فَإِنَّكَ آتِيهِ، وَمُطَّوِّفٌ بِهِ» (٣). فأشكل على عمر رجوعهم عام الحديبية ولم يدخلوا المسجد الحرام ولا طافوا بالبيت، وظنَّ أن الدخول والطواف الذي بشرهم به ووعدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - [يكون ذلك العام] (٤)، فبيَّن له أن [ق ٧٣ أ] اللفظ مطلقٌ لا دليل فيه على ذلك العام بعينه، فتنزيله على ذلك العام غلطٌ، فرجع عمر، وعَلِمَ أنه غَلِطَ في فهمه.

ولمَّا أنزل الله عز وجل: {* لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ اِلْكِتَابِ مَن


(١) أخرجه مسلم (٢٤٩٦).
(٢) أي: قيامًا على الرُّكَب. وينظر «التفسير البسيط» للواحدي (١٤/ ٢٨٧ - ٢٨٨).
(٣) رواه البخاري، وقد تقدم تخريجه.
(٤) قوله: «يكون ذلك العام» ليس في «ح». وأثبته ليستقيم السياق.