للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: ١٢٢] قال أبو بكر الصدِّيق: «يا رسول الله جاءت قاصمة الظهر، وأيُّنا لم يعمل سوءًا؟ فقال: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَيْسَ يُصِيبُكَ الْأَذَى (١)؟ قال: بلى. قال: فَذَلِكَ مِمَّا تُجْزَوْنَ بِهِ» (٢). فأشكل على الصدِّيق أمرُ النجاة مع هذه الآية، وظن أن الجزاء في الآخرة ولا بدَّ، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن جزاءه وجزاء المؤمنين بما يعملونه من السوء في الدنيا، بما يصيبهم من النَّصَب والحزن والمشقة واللأواء (٣)؛ فيكون ذلك كفارة لسيئاتهم، ولا يُعاقبون عليها في الآخرة.

وهذا مثل قوله: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٢٨] ومثل قوله: {* مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اَللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النساء: ٧٨] وقوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} [آل عمران: ١٦٥] وإن كان قوله: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: ١٢٢] أعم؛ لأنه يتناول الجزاء في الدنيا والآخرة.


(١) كذا في «ح»، «م». وكأن المصنِّف ذكره بالمعنى، والمعروف في لفظ الحديث: «ألست تصيبك اللأواء».
(٢) أخرجه الإمام أحمد (٦٨) وسعيد بن منصور في «التفسير» (٦٩٦) وابن أبي الدنيا في «الهم والحزن» (٨٦) وابن حبان (٢٩١٠، ٢٩٢٦) والحاكم في «المستدرك» (٣/ ٧٤) والضياء في «المختارة» (١/ ١٥٩ - ١٦١) عن أبي بكر بن زهير عن أبي بكر الصدِّيق - رضي الله عنه -، وروايته عنه مرسلة، وللحديث شواهد كثيرة يتقوَّى بها، منها ما أخرجه مسلم في «صحيحه» (٢٥٧٤) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «لما نزلت {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} بلغت من المسلمين مبلغًا شديدًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قاربوا وسددوا، ففي كل ما يُصاب به المسلم كفارةٌ، حتى النَّكْبة يُنكَبُها، أو الشوكة يشاكها».
(٣) اللأواء: الشدة وضيق المعيشة. «النهاية في غريب الحديث» (٤/ ٢٢١).