للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمَّا نزل قوله تعالى: {اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اُلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٣] قال الصَّحابة: وأيُّنا يا رسول الله لم يلبس إيمانه بظلمٍ. قال: «ذَلِكَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ: {إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٢]» (١). فلمَّا أشكل عليهم المراد بالظلم وظنوا أن ظلم النفس داخلٌ فيه، وأن من ظلم نفسه أيَّ ظلمٍ كان لا يكون آمنًا، أجابهم صلوات الله وسلامه عليه بأن الظلم الرَّافع للأمن والهداية على الإطلاق هو الشرك. وهذا والله هو (٢) الجواب الذي يَشفي العليل ويروي الغليل، فإن الظلم المطلق التَّامَّ هو الشرك ـ الذي هو (٣) وضع العبادة في غير موضعها ـ والأمن والهُدى المطلق هو (٤) الأمن في الدنيا والآخرة، والهُدى إلى الصراط المستقيم. فالظلم المطلق التَّامُّ [رافعٌ للأمن وللاهتداء المطلق التامِّ] (٥)، ولا يمنع ذلك أن يكون مطلق الظلم مانعًا من مطلق الأمن ومطلق الهدى، فتأمَّلْه، فالمطلق للمطلق، والحصة للحصة.

ولمَّا أنزل الله سبحانه قوله: {* لِّلَّهِ مَا فِي اِلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي اِلْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اِللَّهُ فَيَغْفِر لِّمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّب مَّن يَشَاءُ} [البقرة: ٢٨٣] أشكل ذلك على بعض الصَّحابة، وظنوا أن ذلك من تكليفهم ما لا يطيقونه، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقابلوا النَّصَّ بالقبول


(١) أخرجه البخاري (٣٢) ومسلم (١٢٤) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(٢) أثبته من «م».
(٣) «هو» ليس في «ح». وأثبته من «م».
(٤) في «فتح المجيد شرح كتاب التوحيد» (ص ٥٧): «هما». وقد نقل عن الإمام ابن القيم تفسير الآية.
(٥) سقط من «ح»، وأثبته من «فتح المجيد» (ص ٥٧).