للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا بالعصيان، فبيَّن الله سبحانه وتعالى بعد ذلك أنه لا يُكلف نفسًا إلَّا وُسْعَها، وأنه لا يُؤاخذهم بما نسوه وأخطؤوا فيه، وأنه لا يَحمِل عليهم إصرًا كما حمله على الذين من قبلهم، وأنه لا يُحمِّلهم ما لا طاقة لهم به، وأنهم إن قصَّروا في بعض ما أُمروا به أو نُهوا عنه ثم استعفوه واستغفروه عفا عنهم وغفر لهم ورحمهم. فانظر ماذا أعطاهم الله لمَّا قابلوا خبره بالرضا والتسليم والقبول والانقياد دون المعارضة والردِّ.

ومن ذلك أن عائشة لمَّا سمعت قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» عارضته بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} (١) [الأنعام: ١٦٦] ولم تعارضه بالعقل، بل غلَّطت الرَّاوي. والصواب عدم المعارضة وتصويب الرواة؛ فإنهم (٢) ممَّن لا يُتَّهم، وهم عمر (٣) وابنه (٤) والمغيرة بن شعبة (٥) وغيرهم. والعذاب الحاصل للميت [ق ٧٣ ب] ببكاء أهله عليه هو تألمه وتأذيه ببكائهم عليه، والوزر المنفي حمل غير صاحبه له هو عقوبة البريء وأخذه بجريمة غيره، وهذا لا ينفي تأذي البريء السليم بمصيبة غيره (٦).

فالقوم لم يكونوا يُعارضون النصوص بعقولهم وآرائهم، وإن كانوا يطلبون الجمع بين نصين يُوهم ظاهرهما التعارض (٧). ولهذا لمَّا عارض


(١) أخرجه البخاري (١٢٨٨) ومسلم (٩٢٩).
(٢) «ح»: «فإنه». والمثبت من «م».
(٣) أخرجه البخاري (١٢٩٠) ومسلم (٩٢٧).
(٤) أخرجه البخاري (١٢٨٦) ومسلم (٩٢٨).
(٥) أخرجه البخاري (١٢٩١) ومسلم (٩٣٣).
(٦) قرر المصنِّف هذا المعنى أتم تقرير في «تهذيب سنن أبي داود» (٣/ ١٤٨٣ - ١٤٨٩).
(٧) «ح»: «العارض». والمثبت من «م».