للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلال بن عبد الله قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ». برأيه وعقله، وقال: والله لنمنعهنَّ؛ أقبل عليه أبوه عبد الله فسبَّه سبًّا ما سبَّه مثله، وقال: أُحدِّثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول: والله لنمنعهنَّ (١).

ولمَّا حدَّث عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «إِنَّ الْحَيَاءَ خَيْرٌ كُلُّهُ»، فعارضه مُعارِضٌ بقوله: إن منه وقارًا ومنه ضعفًا، فاشتد (٢) غضب عمران بن حصين، وقال: أُحدِّثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول إن (٣) منه كذا ومنه كذا (٤). وظنَّ أن المُعارِض زنديقٌ، فقيل له: يا أبا نُجَيد (٥): إنه لا بأس به.

ولمَّا حدث عبادة بن الصَّامت بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ ... » الحديث، قال معاوية: ما أرى بهذا بأسًا، يعني بيع آنية الفضة بالفضة متفاضلًا. غضب عبادة وقال: تراني أقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقول: ما أرى بهذا بأسًا، لا أساكنك بأرضٍ أنت بها أبدًا (٦).

ومعاوية لم يُعارض النص بالرَّأي، وكان أتقى لله من ذلك، وإنما خصَّص عمومه وقيَّد مطلقه بهذه الصورة وما شابهها، ورأى أن التفاضل في مقابل أثر الصنعة، فلم يدخل في الحديث، وهذا ممَّا يسوغ فيه الاجتهاد؛


(١) أخرجه مسلم (٤٤٢) والحديث دون القصة في البخاري (٩٠٠).
(٢) «ح»: «واشتد». والمثبت من «م».
(٣) «وتقول إن» سقط من «ح»، وأثبته من «م».
(٤) أخرجه البخاري (٦١١٧) ومسلم (٣٧) وهذا لفظ مسلم.
(٥) «ح»: «عبد». والمثبت من «م» و «صحيح مسلم»، وهو الصواب، كما قيده ابن ماكولا في «الإكمال» (١/ ١٨٨) وغيره.
(٦) أخرجه مسلم (١٥٨٧) بلفظ: «ما أبالي ألَّا أَصحَبَه في جُنْدِه ليلةً سوداءَ». وهو عند ابن ماجه (١٨) بلفظ: «لا أساكنك بأرضٍ لك عليَّ فيها إمرة».