للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من هؤلاء من وجوهٍ كثيرةٍ ليس هذا موضعها (١).

وقد كان السلف يشتد عليهم معارضة النصوص بآراء الرِّجال، ولا يُقرُّون المعارِض على ذلك. وكان عبد الله بن عباسٍ يحتج في مسألة متعة الحج بسُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره لأصحابه بها، فيقولون له: إن أبا بكر وعمر أفردا الحج، ولم يتمتعا. فلمَّا أكثروا عليه قال: «يوشك أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء. أقول لكم: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر» (٢).

فرحم الله ابن عباسٍ كيف لو رأى أقوامًا يُعارضون قول الله ورسوله بقول أرسطو وأفلاطون وابن سينا والفارابي وجهم بن صفوان وبشر المريسي وأبي الهذيل العلاف وأضرابهم؟!

ولقد سُئل عبد الله بن عمر عن متعة الحجِّ فأمر بها، فقيل له: إن أباك نهى عنها. فقال: إن أبي لم يرد ما تقولون. فلمَّا أكثروا عليه، قال:

أفرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبعوا أمْ عمر (٣)؟!


(١) ينظر للمصنِّف «أحكام أهل الذمة» (٢/ ٨٥٥ - ٨٥٦).
(٢) ذكره بهذا اللفظ شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٢١٥) وغيره، ولم نقف عليه مسندًا بهذا اللفظ، إنما وجدناه بلفظ: «أراهم سيهلكون، أقول قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقولون نهى أبو بكر وعمر». أو نحوه، أخرجه الإمام أحمد (٣١٨٢) وعبد الرزاق في «المناسك الكبير» (٤٧٦) وإسحاق بن راهويه في «المسند» ـ كما في «المطالب العالية» (١٣٠٦) ـ والطبراني في «المعجم الأوسط» (١/ ١١) وابن عبد البر في «الجامع» (٢٣٧٨) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (١/ ٣٧٦) وابن حزم في «حجة الوداع» (٣٩١) والضياء في «المختارة» (١٠/ ٣٣١) من طرق. وصحَّح ابن حجر في «المطالب» إسناد «مسند إسحاق».
(٣) أخرجه الإمام أحمد (٥٨٠٤) والترمذي (٨٢٤) وعبد الرزاق في «المناسك الكبير» (٤٦٢) وأبو عوانه في «المسند» (٣٨٢٦) والبيهقي في «السنن الكبرى» (٥/ ٢١) وابن حزم في «حجة الوداع» (٤٤٥). وقال النووي في «المجموع» (٧/ ١٥٥): «رواه الترمذي بإسنادٍ صحيحٍ».