للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحب البصر النَّافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات، ولا صلاح للعبد إلَّا بمعرفة الحقِّ وقصده، كما قال تعالى: {اُهْدِنَا اَلصِّرَاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ (٥) صِرَاطَ اَلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (٦) غَيْرِ اِلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اَلضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٥ - ٧]. فمن لم يعرف الحقَّ كان ضالًّا، ومن عرفه ولم يَتَّبعه كان مغضوبًا عليه، ومن عرفه واتَّبعه فقد هُدي إلى الصراط المستقيم. وأول الشرِّ (١) الضلال، ومنتهاه الغضب، كما أن أول الخير الهدى، ومنتهاه الرحمة والرضوان.

فذكر سبحانه في آيات الحجِّ ما يعرض في العلم من الضلال والإضلال، وما يعرض في الإرادة والعمل من اتباع الأهواء، كما جمع بينهما في قوله: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا اَلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى اَلْأَنفُسُ وَلَقَد جَّاءَهُم مِّن رَّبِّهِمِ اِلْهُدى} [النجم: ٢٣].

فقال أولًا: {وَمِنَ اَلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اِللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ} [الحج: ٣]. وهذا يتضمن الجدال فيه بغير هدًى [ق ٧٧ أ] ولا كتابٍ منيرٍ، فإن من جادل بغير ذلك فقد جادل بغير علمٍ، فنفي العلم يقتضي نفي كل ما يكون علمًا بأي طريقٍ حصل، وذلك ينفي أن يكون مجادلًا بهدًى أو كتابٍ منيرٍ، هذه حال الضالِّ المتبع لمن يُضِلُّه فلم يَحتَجْ إلى تفصيل، فبيَّن أنه يجادل بغير علمٍ، ويتَّبع كل شيطانٍ مريدٍ، كُتب على ذلك الشيطان أن من اتبعه فإنه يضله ويهديه (٢) إلى عذاب السعير، وهذه حال مقلدة أئمة الضلال من الكفار وأهل الأهواء والبدع.


(١) «ح»: «الشهر».
(٢) «ح»: «ويهدي».