للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال (١): «إذا عرفت ذلك فنقول: أمَّا أن الأدلة السمعية لا يجوز استعمالها في الأصول في القسم الأول فهو ظاهر وإلا وقع الدور (٢). وأمَّا أنه يجب استعمالها في القسم الثاني فهو ظاهر كما سلف. وأمَّا القسم الثالث ففي جواز استعمال الأدلة السمعية فيه إشكال، وذلك لأنَّا لو قدرنا قيام الدليل القاطع العقلي على خلاف ما أشعر به ظاهر الدليل السمعي، فلا خلاف بين أهل التحقيق بأنه يجب تأويل الدليل السمعي؛ لأنه إذا لم يمكن الجمع بين ظاهر النقل وبين مقتضى الدليل العقلي فإما أن نكذب بالعقل، وإمَّا أن يُؤول النقل، فإن كذبنا العقل مع أن النقل لا يمكن إثباته إلَّا بالعقل فإن الطريق إلى إثبات الصانع ومعرفة النبوة ليس إلَّا العقل، فحينئذٍ تكون صحة النقل متفرعة على ما يجوز فساده وبطلانه، فإذًا لا يكون النقل (٣) مقطوع الصحة.

فإذًا تصحيح النقل بردِّ العقل يتضمن القدح في النقل، وما أدى ثبوته إلى انتفائه كان باطلًا، وتعين تأويل النقل. فإذًا الدليل السمعي لا يفيد اليقين بوجود مدلوله إلَّا بشرط ألَّا يوجد دليل عقلي على خلاف ظاهره، فحينئذٍ لا يكون الدليل النقلي مفيدًا للمطلوب إلَّا إذا أثبتنا أنه ليس في العقل ما


(١) «نهاية العقول» (١/ ١٤٣ - ١٤٥).
(٢) الدور: هو توقف الشيء على ما يتوقف عليه. «التعريفات» (ص ٤٧). وقيل: هو علاقة بين شرطين يتوقف ثبوت أحدهما على ثبوت الآخر. «المعجم الفلسفي» (١/ ٥٦٧).
(٣) «ح»، «م»: «العقل». والمثبت من «نهاية العقول».