للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على خلقه، واستوائه على عرشه، ونزوله إلى سماء الدنيا، فأضحكهم عليه، وأغراهم به، ونسبوه إلى ضعف العقل والحشو والبله. والمصيبة مركبة من عدوان هؤلاء وبغيهم وظلمهم، وتقصير أولئك وموافقتهم لهم في الأصل، ثم تكفيرهم وتبديعهم في القول بفروعه ولوازمه.

وهذه الطريق من الناس من يظنها من لوازم الإيمان، وأن الإيمان لا يتم إلَّا بها، ومن لم يعرف ربَّه بهذه الطريق لم يكن مؤمنًا به، ولا بما جاء به رسوله. وهذا يقوله الجهمية والمعتزلة ومتأخرو الأشعرية، بل أكثرهم، وكثيرٌ من المنتسبين إلى الأئمة الأربعة، وكثيرٌ من أهل الحديث والصوفية.

ومن الناس من يقول: ليس الإيمان موقوفًا عليها، ولا هي من لوازمه، وليست طريقة الرُّسل، ويحرم سلوكها لما فيها من الخطر والتطويل، وإن لم يعتقد بطلانها. وهذا قول أبي الحسن الأشعري نفسه، فإنه صرَّح بذلك في «رسالته إلى أهل الثغر» (١) وبيَّن أنها طريقةٌ خطرةٌ مذمومةٌ محرمةٌ، وإن كانت غير باطلة، ووافقه على هذا جماعةٌ من أصحابه من أتباع الأئمة.

وقالت طائفة أخرى: بل هي طريقٌ في نفسها متناقضةٌ مستلزمةٌ لتكذيب الرسول [ق ٩٠ أ] لا يتم سلوكها إلَّا بنفي ما أثبته، وهي مستلزمة لنفي الصانع بالكلية، كما هي مستلزمة لنفي صفاته ونفي أفعاله، وهي مستلزمة لنفي المبدأ والمعاد. فإن هذه الطريقة لا تتم إلَّا بنفي سمع الربِّ وبصره وقدرته وحياته وإرادته وكلامه، فضلًا عن نفي علوه على خلقه، ونفي الصِّفات الخبرية من أولها إلى آخرها، ولا تتم إلَّا بنفي (٢) أفعاله جملةً وأنه لا يفعل


(١) (ص ١٨٥ - ١٩٢).
(٢) «ح»: «نفي». والمثبت من «م».