للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك قالوا: إن إرادة إيجاد الشيء هي (١) نفس إرادة إعدامه ليس هنا إرادتان (٢)، وكذلك رؤية زيدٍ هي نفس رؤية عمرٍو.

ومعلوم أن هذا لا يُعقل، بل هو مخالف لصريح العقل، وهذا كله وأمثاله نشأ عن هذه الطريق واعتقاد صحتها.

ومن العجب أنهم لم يثبتوا بها في الحقيقة صانعًا، ولا صفةً من صفاته، ولا فعلًا من أفعاله، ولا نبوةً، ولا مبدأً، ولا معادًا، ولا حكمةً؛ بل هي مستلزمة لنفي ذلك كله صريحًا، أو لزومًا بيِّنًا أو بوسطٍ (٣). فالطريق التي جعلوها أصلًا للدِّين هي أصل المناقضة للدِّين وتكذيب الرسول.

وجاء آخرون فراموا إثبات الصِّفات والأفعال وموافقتهم في هذه الطريق، فتجشموا أمرًا ممتنعًا، واشتقوا طريقة لم يمكنهم الوفاء بها، فجاؤوا بطريقة بين النفي والإثبات. لم يُوافقوا فيها المعطلة النُّفاة، ولم يسلكوا فيها مسلك أهل الإثبات، فجاءت طريقًا بين الطريقتين، ومقالة بين المقالتين، لم يكونوا فيها بررةً أتقياءَ، ولا فجرةً أقوياءَ. وظنوا أنهم بذلك يجمعون بين المعقول والمنقول، ويصلون في هذه الطريق إلى تصديق الرَّسول، وصار كثيرٌ من الناس يحب النظر والبحث والمعقول، وهو مع ذلك يريد ألَّا (٤) يخرج عمَّا جاء به الرسول، ويرى أن هذا المسلك أصح من مسلك أولئك


(١) «ح»: «هو». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «إرادات». والمثبت من «م».
(٣) «ح»: «يوسط». وينظر «مجموع الفتاوى» (٩/ ١٧٩) و «الرد على المنطقيين» (ص ١٩٠).
(٤) «ح»: «أن». والمثبت من «م».