للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النُّفاة، وأنه لا طريق غير الطريقين، وتلك لا سبيل إلى المصير إليها، فتعيَّن المصير إلى هذه الطريق.

ولما أصَّل هؤلاء هذا الأصل، وجاؤوا إلى تفصيله ظهر سرُّ تأصيلهم في تفصيلهم، ودلَّ بطلان تفصيلهم على فساد تأصيلهم، فإنهم أصَّلوا تأصيلًا مستلزمًا لبطلان التفصيل، ثم فصَّلوا تفصيلًا دلَّ على بطلان الأصل وفساده، فصاروا حائرين بين التأصيل والتفصيل. وصار من طرد منهم هذا الأصل خرج عن العقل والسمع بالكلية، وبالغ في التعطيل والإلحاد. ومن لم يطرده تناقَضَ واضطربت أقواله. وقد سلك الناس في إثبات الصانع وحدوث العالم طرقًا متعددة سهلة قريبة موصلة (١) إلى المقصود، لم يتعرضوا فيها لطريقة هؤلاء بوجهٍ، وذموا هذه الطريقة.

قال الخطابي (٢): «وإنما سلك المتكلمون في الاستدلال بالأعراض مذهب الفلاسفة، وأخذوه عنهم. وفي الأعراض اختلافٌ كثيرٌ (٣)، منهم من ينكرها ولا يثبتها رأسًا، ومنهم من لا يُفرِّق بينها وبين الجواهر في أنها قائمة بأنفسها كالجواهر».

قلت: ومنهم من يقول بكمونها وظهورها، ومنهم من يقول بعدم بقائها. ثم سلك طرقًا في إثبات الصانع، منها الاستدلال بأحوال الإنسان من مبدئه إلى غايته، والاستدلال بأحوال الحيوان والنبات والأجرام العلوية وغير ذلك.


(١) «ح»: «موصولة». والمثبت من «م».
(٢) قاله في كتابه «شعار الدين»، وهو كتاب مفقود حسب علمي، وهذا القول قد نقله عنه ابن تيمية في «منهاج السنة» (٢/ ١٤١ - ١٤٣).
(٣) «ح»: «كثيرة». والمثبت من «م».