للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى اليوم الآخر. فأين هذه الطريق الطويلة العسرة الباطلة المستلزمة لتعطيل الربِّ عن صفاته وأفعاله وكلامه وعلوه على خلقه، وإنكار وجهه الأعلى ويديه الكريمتين ورؤيته في الدار الآخرة وسائر ما أخبر به عن نفسه، وأخبر به عنه رسوله؛ إلى طرق القرآن التي هي ضدُّ هذه الطريق من كل وجه، وكلُّ طريقٍ منها كافية شافية هادية، وإن صرَّفها الله لعباده ونوَّعها {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اَللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: ٤٣].

هذا، وإن القرآن وحده ـ لمن جعل الله له نورًا ـ أعظم آيةٍ ودليلٍ وبرهانٍ على هذه المطالب، وليس في الأدلة أقوى ولا أظهر ولا أصح دلالة منه من وجوهٍ متعددةٍ جدًّا. كيف وقد أرشد ذوي العقول والألباب فيه إلى أدلة هي للعقل مثل ضوء الشمس للبصر، لا يلحقها إشكال، ولا يغبِّر (١) في وجه دلالتها إجمال، ولا يعارضها تجويز واحتمال، تلج الأسماع بلا استئذان، وتحل من العقول محل الماء الزُّلال من الصادي الظمآن، فضلها على أدلة أهل العقول والكلام كفضل الله على الأنام، لا يمكن أحدًا أن يقدح فيها قدحًا يوقع في اللبس إلَّا إن أمكنه أن يقدح بالظهيرة صحوًا في طلوع الشمس.

ومن عجيب شأنها أنها تستلزم المدلول استلزامًا بينًا، وتُنبِّه على جواب المعترض تنبيهًا لطيفًا، ففيها إقامة الدلالة، والجواب عن المعارضة والشُّبهة. وهذا الأمر إنما هو لمن نوَّر الله بصيرته، وفتح عين قلبه لأدلة القرآن، وآتاه فهمًا في كتابه، فلا تعجب (٢) من منكرٍ أو معترضٍ أو معارضٍ.


(١) «م»: «يغير». وهو تصحيف.
(٢) «ح»: «يعجب». والمثبت من «م».