للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن جعلها واو عطف قال: النهي تعلق بكل واحد من الأمرين على انفراده، ولو كانت واو صرف لكان المنهي عنه جمعهما لا إفرادهما.

ومن جعلها (١) واو صرف قال: لبس الحق بالباطل مستلزمٌ لكتمانه، كما يكتم الحق من لبسه بما يستره ويغشيه، فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، فالنهي عن أحدهما نهي عن الآخر بطريق اللزوم. ففي كون الواو واو جمع إفادة هذا المعنى، وأن كتمان الحق ملازم للبسه بالباطل لا ينفك عنه ولا يمكن إيقاع أحدهما إلَّا بالآخر، وهذا شأن كل متلازمين.

وهذا القول أميز من الأول وأعرب.

وأما القرينان الآخران فقال تعالى: {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ اُلْخَاسِرُونَ} [العنكبوت: ٥٢]. وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ اِفْتَرى عَلَى اَللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكافِرِينَ} [العنكبوت: ٦٨]. وقال: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ (٢) عَلَى اَللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذ جَّاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكافِرِينَ} [الزمر: ٣١].

وهذان أيضًا متلازمان، فكل من صدَّق بالباطل كذَّب بضده وهو الحق. وإذا عرف هذا فما أثبته الله لنفسه من صفاته وكلامه وتكليمه واستوائه على عرشه وعلوه على خلقه هو الحق عقلًا وسمعًا، وما خالفه هو الباطل، والله سبحانه قد فصَّل لنا هذا من هذا، ولم يدعه ملتبسًا (٣) {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [الأنفال: ٤٣].


(١) «ح»: «جعلهما».
(٢) «ح»: «افترى كذبا».
(٣) «ح»: «لمتبسًا».