للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أكل الرجل طعامَ أخيه قرًى [على وجه ما أذن له] ، ثم نُسخ ذلك، (١) لنقل علماء الأمّة جميعًا وجُهًّالها: أن قرَى الضيف وإطعام الطعام كان من حميد أفعال أهل الشرك والإسلام التي حَمِدَ الله أهلها عليها وَندبهم إليها، وأن الله لم يحرّم ذلك في عصر من العصور، بل نَدَب الله عباده وحثهم عليه.

وإذ كان ذلك كذلك، فهو من معنى الأكل بالباطل خارج، ومن أن يكون ناسخًا أو منسوخًا بمعزل. لأن النسخَ إنما يكون لمنسوخ، ولم يثبت النهي عنه، فيجوز أن يكون منسوخًا بالإباحة.

وإذ كان ذلك كذلك، صحّ القول الذي قلناه: من أنّ الباطل الذي نهى الله عن أكل الأموال به، هو ما وصفنا مما حرمه على عباده في تنزيله أوْ على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم - وشذّ ما خالفه. (٢)

واختلفت القرأة في قراءة قوله:"إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم".

فقرأها بعضهم: (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً) رفعًا، بمعنى: إلا أن توجد تجارة، أو: تقع تجارة، عن تراض منكم، فيحل لكم أكلها حينئذ بذلك المعنى. ومذهب من قرأ ذلك على هذا الوجه:"ألا أن تكون" تامةً ههنا، (٣) لا حاجة بها إلى خَبر، على ما وصفت. وبهذه القراءة قرأ أكثر أهل الحجاز وأهل البصرة.

* * *

وقرأ ذلك آخرون، وهم عامة قرأة الكوفيين: (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً) ، نصبًا، بمعنى: إلا أن تكونَ الأموال التي تأكلونها بينكم، تجارةً عن تراض


(١) هذه العبارة التي بين القوسين، محرفة لا شك في تحريفها، ولم أجد لها وجهًا أرتضيه، فوضعتها بين القوسين، ولو أسقطها مسقط من الكلام لاستقام على صحة.
(٢) قوله: "وشذ ما خالفه" معطوف على قوله: "صح القول الذي قلناه".
(٣) في المطبوعة: " ... على هذا الوجه أن تكون تامة ... "، ورددتها إلى ما كان في المخطوطة، فهي صحيحة في سياقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>