للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتلقَّاني الناس فوجًا فوجًا يهنئوني بالتوبة ويقولون: لِتَهْنِكَ توبة الله عليك! (١) حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يُهَرول حتى صافحني، وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره = قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة (٢) = قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وهو يبرُقُ وجهه من السرور: أبشر بخير يومٍ مرَّ عليك منذ ولدتك أمك! فقلت: أمن عندك، يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأن وجه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه.

= قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله. (٣) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك بعض مالك، فهو خيرٌ لك! قال فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإنّ من توبتي أن لا أحدِّث إلا صدقًا ما بقيت! قال: فوالله ما علمت أحدًا من المسلمين ابتلاه الله في صِدْق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله عليه السلام، أحسن مما ابتلاني، (٤)


(١) في المخطوطة والمطبوعة: " لتهنك "، وهي كذلك في رواية البخاري بغير هذا الإسناد، وفي صحيح مسلم المطبوع: " لتهنئك "، وذكره القاضي عياض في مشارق الأنوار (هنأ) فقال: " ولتهنك توبة الله، يهمز، ويسهل ". وقد ذكر صاحب لسان العرب (هنأ) أن العرب تقول: " ليهنئك الفارس " بجزم الهمزة، و " ليهنيك الفارس " بياء ساكنة، ولا يجوز " ليهنك " كما تقول العامة "، والذي قاله ونسبه للعامة، صواب لا شك فيه عندي.
(٢) قال الحافظ في الفتح: " قالوا: سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بينه وبين طلحة، لما آخى بين المهاجرين والأنصار. والذي ذكره أهل المغازي أنه كان أخا الزبير، لكن كان الزبير أخا طلحة في أخوة المهاجرين، فهو أخو أخيه ".
(٣) " انخلع من ماله "، أي: خرج من جميع ماله، وتعرى منه كما يتعرى إنسان إذا خلع ثوبه. وأراد: إخراجه متصدقا به.
(٤) " أبلاه " أي: أنعم عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>