بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الباقي وكل ما سواه فان، المحيط واسع عمله بما يكون، وما قد كان، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على خيرة بني الإنسان وتابعيهم بإحسان، ما توالى الجديدان وتعاقب الحدثان.
وبعد، فيقول العبد الفقير إلى الله كامل بن حسين بن محمد بن مصطفى الغزّي البالي الحلبي: هذا هو الجزء الثالث من كتابي (نهر الذهب في تاريخ حلب) وهو الجزء الضّامّ بين دفتيه الباب الثاني المخصص بذكر ما طرأ في مدينة حلب وبعض أعمالها وما نشأ فيهما من الحوادث والكوارث التي هي تنقّل الدول وتبدّل الحكام والحروب والزلازل والصواعق والحرائق والأوبئة والطواعين والفتن والقحط والغلاء والمجاعات، وغير ذلك من الكوائن والنوازل المعدودة من غرائب الأمور وعجائب المقدور.
افتتحت هذا الباب بإجمال أشرت به إلى الأمم التي أوطنت حلب وأصقاعها، والدول التي تولتها قبل الفتح الإسلامي. وأعقبته بإجمال آخر ألمعت به إلى الدول والرجال الذين تولوا حلب وحكموا فيها بعد الفتح. ثم أتيت بفصل ذكرت فيه خلاصة من خبر فتحها عن يد المسلمين. ثم أفضت بذكر ما كان فيها وفي بعض أعمالها من الحوادث في زمن كل دولة من الدول التي تولت أحكامها مرتبا إياها على السنين، بادئا بذكرها منذ سنة (١٦) هـ منتهيا منها بالسنة التي يصدّ فيها القلم عن شوطه صادّ محكم وقضاء محتّم.
وكنت أعددت لهذا الباب مسودة يربو مجموعها على ألفي صحيفة، نحوت بها منحى الإسهاب والإطناب، ثم عدلت عن هذا المنحى إلى سبيل الإيجاز والاختصار إرضاء لأكثر الناس الذين تميل رغباتهم إلى الوجازة وتملّ من الإطناب والإطالة. ومن الله أستجدي الإمداد وأستهدي بنور هدايته إلى سنن الرشاد والسداد.