والحمدانية. فانقطع تسفير الحبوب ووقفت أسعارها عن التصاعد. وكان هذا المنع صوابا لأن الجراد الذي كان غارسا في جهات الولاية لم يأت عليه شهر نيسان حتى نقف وأخذ يزحف على الزروع، فأكل جميع حقول الشعير، ونحو ثلاثة أرباع حقول الحنطة والقطاني، فارتفعت الأسعار ارتفاعا فاحشا وبيع شنبل الحنطة بمائة وخمسين إلى مائة وثمانين بدل مائة وعشرين قرشا. هذا مع منع تسفير الحبوب ومجيء الحبوب والدقيق من حماة ودمشق كل يوم. ولولا ذلك لعدمت الأقوات وأكل الناس بعضهم، وقد تبعت أسعار الأقوات بعضها فارتفع سعر الزيت من ١٥ إلى ٣٠ وسعر السمن من ٣٥ إلى ٧٠.
[خطبة عامة في الجامع الكبير:]
وفي أواخر شعبان هذه السنة قدم من استانبول على حلب رجل من أذكياء علماء كركوك يقال له الشيخ عناية الله أفندي، وكانت جهة مقصده الموصل وهو عضو سيّار في جمعية الاتحاد والترقي العثماني. وفي يوم قدومه إلى حلب قصد منزل الوالي ناظم باشا واستدعى بواسطته طائفة من علماء حلب فأطلعهم على منشور عضويته، وكلفهم أن يسعوا بحشد الناس وجمعهم في مكان فسيح ليلقي عليهم خطبة أمرته الجمعية بإلقائها في جميع البلدان التي يتجول بها. فقر الرأي على حشد الناس في الغد في الجامع الكبير. وفي صبيحة الغد خرج أشخاص ينادون في الأسواق بما معناه:(معاشر الناس من كل ملة ودولة، سيلقى بعد الظهر في الجامع الكبير خطبة فاحضروا لسماعها) .
وبعد ظهر ذلك اليوم أقبل الناس إلى الجامع الكبير مسلمين ومسيحيين وإسرائليين وإفرنج حتى غصت بهم رحبة الجامع، وكان الشيخ عناية الله واقفا على الدكّة الحجرية في وسط رحبة الجامع، ومعه الوالي وجماعة من أهل العلم. فاعتلى كرسي الخطابة وافتتح خطبته بصوت جهوري وما زال يتلوها مرتلة حتى أتى على آخرها، وقد استغرفت تلاوتها نحو نصف ساعة، وخلاصتها: حمد الله تعالى وشكره على نعمة الحرية والمساواة والعدالة والاتحاد، ومدح هذه الخلال وبيان فضائلها والحثّ على التزامها وعدم الحياد عنها، وأن تكون الأمة العثمانية على تمام الوفاق والتحابب مع بعضها مهما اختلفت مذاهبها ومشاربها، وأن هذه الأمور هي أقصى غايات جمعية الاتحاد والترقي العثماني التي سعت بقلب الحكومة العثمانية من الحكومة المطلقة إلى الحكومة المقيدة المعروفة بالمشروطية، وأن المشورة من