عليهم مشقات الطريق ولا سيما على فقرائهم الذين قطعوا المسافات الطويلة مشيا على الأقدام مدة شهرين وهم حفاة عراة، الأرض وطاؤهم والسماء غطاؤهم، لم يفلت منهم من مخالب الجوع والبرد إلا من قويت بنيته وأبطأت منيّته. وقد وصلوا إلى حلب كأشباح بلا أرواح، وكان أغنياؤهم ينزلون في البيوت، وفقراؤهم في القياصر والأزقة والشوارع حتى ملؤوا حلب وازدحمت بهم الجوادّ «١» .
وكانت الحكومة تبقي منهم الجالية في حلب أياما قليلة وتفرق عليها أقراص الخبز ثم تزجيها إلى جهات حماة أو إلى نواحي الزور والجزيرة، فيموت الكثير منهم في أثناء الطريق جوعا وعطشا وحرا وبردا وغرقا. بلاء حلّ بهم جناه سفهاؤهم على ضعفائهم. وكان عرب البادية يأخذون منهم الأيامى «٢» واليتيمات، ويتخذون الفتيات منهن زوجات لهم، والقاصرات خادمات وراعيات لمواشيهم، وكل واحدة منهن تدخل إلى مضاربهم يشمونها «٣» بالزّرقة في وجهها ويديها تزيينا لها وتحسينا حسب أذواقهم. وكانت قافلة الجاليات منهم كلما خفّ منها القطين «٤» في حلب يأتي بدلها قافلة أخرى حتى ملؤوا الديار وغلت بواسطتهم الأسعار.
الجرب وحمّى القملة:
وفشا في المدينة والقرى التي مروا منها في ولاية حلب داء الجرب، فأصيب به ألوف من الناس، ومرض آخر سماه الأطباء حمّى القملة أو حمى التجمع وربما سموه حمى التيفويد.
وكان المصاب بهذا المرض يعتريه في أوائله شبه صداع وزكام مدة ثلاثة أيام، ثم تشتد به أعراض الحمى يوما أو يومين فيسودّ لسانه وشفتاه ويلعثم في كلامه، ثم يسكت ليلة أو ليلتين ويموت. وكان جهة الصحية تشدد المراقبة على المصاب بهذه العلة الوبيلة، فكانت متى أحست بوجود مريض بهذا الداء تأخذه إلى مستشفاه الخاص به فيبقى فيه إلى أن يصحّ