في دولة السلطان عبد الحميد، وكلفني بنظمها بعد ترجمتها إلى اللغة العربية فقلت:
يا صاح نقّاد المعارف عندنا ... أعمت قلوبهم المناصب والرتب
كم من كتاب مفرد في بابه ... قد أفسدوا منه الصحيح المنتخب
هذا كتاب الله وهو منزّل ... ظنوه جهلا أنه قصص العرب
فتصفحوه ونقّحوه بزعمهم ... من كل ما تأبى السياسة والأدب
[تحرزه المفرط في أكله وشربه ومحل نومه:]
ومما بلغ فيه حد الإفراط تحرّزه في المأكل والمشرب، فقد كان من المحال أن يأكل طعاما أو يشرب شرابا قبل أن تتناول منهما والدته شيئا، إذ هي الموكول إليها أمر حراسة مأكوله ومشروبه وبمعرفتها ومراقبتها يطبخ ويجهز له ما يأكله ويشربه.
ومن جملة احترازه أيضا أنه كان لا ينام ليلتين متواليتين في غرفة معينة في قصر من قصور يلديز، بل كان في كل ليلة ينسلّ خفية تحت جناح الظلام إلى قصر من تلك القصور ويرقد على أحد سرره المنصوب في إحدى غرفها العديدة، التي له في كل واحدة منها سرير مطابق- بشكله وهيئته- بقية السرر المنصوبة في جميع الغرف مطابقة تامة.
[غناه وحشده الأموال:]
كان يعدّ في عصره أغنى ملك في الدنيا. ولم لا يكون كذلك ورزقه من بيت المال كل يوم أربعة آلاف ذهب عثماني قبل افتتاح مجلس النواب للمرة الثانية، وثلاثة آلاف كل يوم بعده؟ هذا عدا مداخيل أملاكه ومزارعه في الولايات العثمانية التي كانت تقدر بثلث أموال الدولة، وعدا ما يأخذه اعتباطا من صناديق الدوائر كصندوق الأوقاف وصندوق النافعة وصندوق المعارف، وعدا ما يأخذه نافلة من طلاب امتيازات المعادن ومدّ سكك الحديد وغيرها. وكان له في المصارف الأجنبية الكبيرة عشرات ألوف الألوف من الذهب، وكان البسطاء من الناس لا ينكرون عليه هذا الغنى لأنهم كانوا يزعمون أنه لم يحتكر تلك الأموال العظيمة إلا بقصد تهريبها من أيدي وزرائه الخائنين وادّخارها للمهمات الحربية التي قد تفاجىء الدولة في مستقبل الأيام. ونحن لا ندري ما فعل الله بتلك الأموال بعد وفاته: هل أنكرتها المصارف، أم استخلصها منها الاتحاديون فصرفوها في شؤون الدولة،