وكانت الوفود في استانبول محل حفاوة الوزراء وأعيان الدولة وأقيمت لهم المآدب الحافلة، ودعاهم السلطان محمد رشاد إلى مأدبته وأظهر لهم محبة العرب وحسن نيته بهم.
ولم يبق محل من الأماكن التي تصنع فيها أدوات الحرب أو تنسج فيها الأقمشة إلا وعرض على أنظار الوفود، وأشخصوا إلى جهة «جناق قلعة» ليطلعوا على حقيقة الحال ويتبينوا قوة الدولة وحصانة المواقع. وقد ألقوا هناك الخطب وشكروا القائد والجنود ووعظوهم وحثوهم على الثبات، ونال بعض أفراد الوفود وساما وساعة ذهبية ثم عادوا إلى أوطانهم وكلهم ألسن تتلو آيات الثناء على الدولة العثمانية وحسن حفاوتها بأبناء العرب وعظيم اهتمامها في مصانع الأسلحة وشدة حزمها في حرب أساطيل الإنكليز.
أخذ العسكرية أموال التجّار:
وفيها اشتدت حملة الجهة العسكرية على التجار في حلب لأخذ البضائع منهم كالمنسوجات وغيرها، تأخذها باسم التكاليف الحربية، البعض منها مصادرة بلا بدل ولا عوض، والبعض الآخر تأخذه بقيمة تعيّنها جمعية تسمى «لجنة المبايعة» وتعطي به وصلا.
[هبوط أسعار الورق النقدي:]
وفي آخر هذه السنة بدأت الأوراق النقدية تهبط عن قيمتها الموضوعة لها. وسبب ذلك أن إدارة الدخان المعروفة بإدارة الريجي أصبحت في يوم من الأيام معلنة باعة الدخان بأنها لا تقبل منهم ثمن الدخان إلا نقودا فضية أو ذهبية. فشاع هذا الخبر بين الناس وحصل منه الارتياب في عاقبة الورق النقدي فهبطت أسعاره عشرين في المائة. ثم لم يزل يهبط مرة ويصعد أخرى حتى هبط في آخر سني الحرب ثمانين في المائة.
[تكليف موظفي الحكومة التجار تبديل الورق بالنقود:]
ومما ساعد على هبوطه أيضا أن كثيرين من ولاة الأمور كانوا يكلفون التجار أن يبدلوا لهم الورق النقدي بالنقود الذهبية رأسا برأس، وهم يعتذرون عن عملهم هذا بقولهم نحن مضطرون لذلك لأن العربان الذين نشتري منهم المواشي لا يفقهون حساب الورق ولا يقبلون أثمان مواشيهم إلا نقودا ذهبية. وهو اعتذار غير مقبول؛ من وجهين:
الأول: إذا كان قولهم هذا صحيحا فعلى الحكومة أن تدفع للعربان أثمان مواشيهم نقودا