أما عباراته التي مفهومها بأن الحملة كانت الغاية منها تمهيدا لحملة أخرى، فإنما فاه بها بعد فشلها تخلصا من رميه بسهام الملام على تقصيره في إعداد ما يلزم لهذه الحملة من الجيوش الضخمة والمهمات الوافرة والتدابير الصائبة التي بدونها لا تجوز المغامرة في تيار هذا الخطر العظيم.
[ورود نبأ برقي بنجاح الحملة:]
وفي هذه السنة (١٣٣٤) ورد علينا من جهة بئر السبع نبأ برقي بأن هذه الحملة قد نجحت بهجومها على القناة ومشت إلى جهة مصر، فكان الناس لهذا الخبر بين مصدّق ومكذب، وهمّ حزب الاتحاد بترتيب مظاهرة فرح وسرور بهذا الظفر، وبينما هم يتذاكرون في شؤون هذه المظاهرة إذ ورد بالبرق تكذيب الخبر الأول.
أقول: إن جمال باشا أوضح في مذكراته سبب النبأ البرقي المعلن نجاح الحملة بما خلاصته أن مدير تلغرافات الجيش (الذي كان مشتغلا بمد الخطوط في الصحراء) أبلغه أحد المعتوهين كذبا نبأ سقوط الإسماعيلية، فعجل بإبراقه إلى الآستانة، فلما ظهرت الحقيقة انعكست الآية وكان لها أسوأ تأثير.
[عدد الأيام التي أمضتها جيوش الحملة في قطع الصحراء بين بئر السبع والقناة:]
قال جمال باشا في مذكراته ما خلاصته: إنه ما كاد يمر عشرون يوما على بدء الزحف من بئر السبع حتى وصل القسم الأول من الحملة بقوة كبيرة إلى نقطة تبعد نحو ١١ كيلومترا من القناة. ووصل الجناح الأيمن الذي زحف من العريش في جهة «قاطية» تجاه القنطرة، بينما الجناح الأيسر الذي زحف من العقبة- عن طريق قلعة النخل- وقف في مقابلة السويس.
[ما لاقاه الجيش من التعب والضنك:]
قال جمال باشا في مذكراته: ويقصر اللسان عن أن يوفي القوات العثمانية- لا فرق بين ضباطها وجنودها- اللائي اشتركن في حملة القناة الأولى، حقّهن من الثناء، على ما بذلنه من الجهود وأظهرنه من ضروب الوطنية العالية. وأرى من واجبي تقديم إعجابي