تغالى المداجون من محرري الصحف وغيرهم بألقابه ومدائحه إلى غاية لم نسمع صدور نظيرها في ملك قبله ولا بعده. لقبوه بملك الملوك (شهنشاه) وملجأ الخلافة (خلافتبناه) وباني الدنيا (كيتى ستان) وظل الله في الأرض، والسلطان الأعظم، والذات الأقدس، وغير ذلك من الألقاب والكلمات التشريفية التي يصلح بعضها أن يطلق على منشئ العوالم وخالق السماوات والأرض. وهكذا كان تغاليهم بمدائحه.
[الاحتفال بزينة عيدي ميلاده وجلوسه:]
وكان الاحتفال بالزينة العامة في جميع الممالك العثمانية يحدث في العام مرتين، إحداهما في عيد ميلاده والأخرى في عيد جلوسه، وفي كل من الاحتفالين كانت الصحف الإخبارية تبرز يوم الاحتفال في ثوب قشيب من الزينة والبهاء. وفي كل صحيفة منها مقالة افتتاحية تستوعبها من أولها إلى آخرها محررة بمداد مذهّب، محفوفة بإطار ذهبي بديع، محشوة بعبارات أنيقة كلها مدح وإطراء في عدل السلطان وتعداد مآثره وشرف أخلاقه وأنه هو الملك الوحيد في الدنيا، وأن يوم ولادته ويوم جلوسه من أبرك الأيام وأشرفها وأسماها طالعا وأسعدها؛ لأن فيه كان بزوغ شمس العدالة في العالم المعمور وطلوع أقمار السعادة في سماء الربع المسكون. إلى غير ذلك من عبارات المدح والإطراء البالغة حد الغلو والاستغراق. وكان من الواجب في ذلك اليوم على كل مستخدم ووجيه في محلته أن يزين باب منزله بالسجاد وعروق الشجر، ويسرج عليه كثيرا من المصابيح التي ربما عدّت بالمئات. وكلما كان المزيّن أكثر مداجاة وأشد تزلفا للحكومة ازداد تأنقا في زينة باب منزله وأكثر عدد مصابيحه. ومنهم من يعد للمتفرجين على احتفاله بهذه الزينة مقاعد ومفارش، ويحضر لهم جماعة المطربين العازفين بآلات الطرب ويحرق الألعاب النارية ويكرم الزائرين بالمرطبات.
ويقدّر ما كان يصرف من الأموال في كل احتفال من هذين العيدين في حلب فقط بألوف الليرات. كان المداجون وأرباب الوجاهة منهم يتنافسون بهذه الزينات، لأن السابق