نأتي هنا بنبذة نبين فيها بعض ما كان لسلاطين آل عثمان على العالم الإسلامي من الأيادي البيض التي توجب على كل منصف أن ينظر إليهم بعين التجلّة والاحترام، ويغضّ الطرف عن بعض هنات كانت تصدر عن بعضهم بمقتضى المحيط الذي وجدوا فيه، أو بحكم التقاليد والتطور الزمني، لا بمقتضى عواطفهم التي فطرت على محبة العدل والتمسك بأهداب الشرع والحرص على اتباع أحكامه، كما يظهر ذلك من تراجم أحوال السلف الصالح منهم.
إن الدولة العثمانية هي الدولة الوحيدة التي بواسطتها لمّ الله شعث العالم الإسلامي، واستأنف مجده وأعاد عزّه وأطلع في سماء الشرف شمسه بعد أن تشتت شمله وذلّ أهله وكادت تطفأ أنواره وتخسف أقماره. فإن كل من تصفح وجوه التاريخ الإسلامي وأحاط علما بما سطّره من الحوادث والكوائن- منذ القرن الخامس إلى أوائل القرن العاشر- يتضح له جليا أن العالم الإسلامي قد وصل في آخر هذا الدور إلى الغاية القصوى من التقهقر والانحطاط، لما توالى عليه في هاتيك الأعصار من النكب والمصائب التي انتابته في الحروب الصليبية، وغارات المغول والتاتار وغيرهم من الأمم التي كانت تتظاهر بمناوأة الإسلام، ولما كانت عليه في تلك الأيام حكام المسلمين وملوكهم من الجهل والطيش والتباغض والتنافس مع بعضهم، وافتراق الكلمة والانهماك بالملذات، والمسلمون في الشرق والغرب تتخطفهم ذئاب أعدائهم كأنهم غنم، تخلّى عنها رعاتها في ليلة مطيرة، إلى أن سطع نجم الدولة العثمانية وعلا صرح مجدها وأرهبت عالم الربع المسكون سطوتها، فانتعشت روح الإسلام وعاد إلى أحسن ما كان عليه في عهد العباسيين، وخفقت راية الهلال على أصقاع عظيمة من القارات الثلاث، ورتع تحت ظل هذه الدولة- في بحبوحة الأمان والاطمئنان- مائة وعشرون مليونا من النفوس المختلفة العناصر المتعددة الأجناس، المتعاندة في الديانات والعادات، شعوب وأمم وأقوام مدنية وبدوية منبثة في تلك الممالك