ثار من الشرق الأقصى عاصفة التتر المغول الكفرة أتباع جنكزخان رأس الكفر والطغيان فزعزعت الرواسي وقلبت العروش وشوهت وجه العمران والتهمت نيرانها الأخضر واليابس من الأقطار والبلدان وأهلك تيارها الجارف من نفوس المسلمين فقط ثمانية عشر مليونا على ما رواه بعض المؤرخين.
حادثة لم يحدث مثلها فيما مضى ولن يحدث نظيرها فيما يأتي على ما يظنه بعض علماء التاريخ وقد كان لمدينة حلب أوفر نصيب من شرها ومستطير شررها فقد هاجمتها جنود ذلك الطاغية عدة مرات في كل مرة منها تدك حصونها وتهدم منازلها وتحرق معابدها ومعاهدها العلمية وتزهق أرواح أهلها وتفعل فيها من الفظائع والعظائم ما يرتعد القلم لذكره. إلى أن كانت الهجمة الأخيرة وذلك في حدود سنة ٧٠٠ هـ/ ١٣٠٠ م فقضت على هذه البلدة العظيمة القديمة بأن تكون خرابا يبابا وأن تقفر من أهلها الذين أصبحوا ما بين قتيل وأسير ومشرّد وهائم على وجهه لا يعرف إلى أين انتهى ولا في أي هاوية كان مقره ومصيره؟.
قال ابن العبري الملطي في تاريخه المدني السرياني ما خلاصته: إن أهل بعلبك خربوا سقف كنيسة السريان الحلبية وكان هو مطرانها سنة ١٢٦٠ م/ ٦٥٩ هـ فاستحوذ عليه الجنون فذهب إلى هولاكو ملك الملوك فزجوه في السجن في قلعة نجم. وهكذا ظلت طائفته الحلبية دون راع ولكنهم كانوا يجتمعون في بيعة الملكيين فهجم عليهم التتر وقتلوهم وسبوهم اه وقال صاحب كتاب عناية الرحمن ما خلاصته: وبعد أواسط القرن الثالث عشر لم يرد في الآثار السريانية ذكر لأساقفة حلب حتى أواخر القرن الخامس عشر. قال:
ولعل سبب ذلك هو أن هولاكو وخلفاءه أبادوا المسيحيين قاطبة من حلب ونواحيها ومن سوريا.
قلت: إن هولاكو وخلفاءه الطغاة الطغام لم يبيدوا في هجمتهم الأخيرة التي كانت في التاريخ المذكور المسيحيين فقط بل أبادوا فيها جميع سكان حلب من المسلمين والمسيحيين وغيرهم كما أسلفنا بيانه فالمسلمون والمسيحيون في هذا البلاء شركاء على السواء.