ودفنه بها. وبعد أن انقضت تعزية الناس للسلطان بأخيه خلع على الناس وفرّق في وجوه الحلبيين الأموال، وقدم لعماد الدين عشرين بقجة صفر، فيها مائة ثوب من العنّابي والأطلس والمعتّق والممرّس، وغير ذلك، وعشرة جلود قندس «١» ، وخمس خلع خاص برسمه ورسم ولده، ومائة قنباز ومائة كمّة، وحجرتين عربيتين بأداتهما، وبغلتين مسروجتين، وعشرة أكاديش «٢» ، وخمس قطر بغال، وثلاث قطر جمال عربيات وقطار بخت «٣» .
ولما فرغ السلطان من الهدية قدم الطعام فأكل عماد الدين ونهض للركوب، وخرج السلطان معه إلى قرب بابلّى وودعه. وسار عماد الدين لبلاده ورجع السلطان وصعد القلعة من باب الجبل، وسمع منه وهو يصعدها قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ
إلى آخر الآية. وقال: ولله ما سررت بفتح مدينة كسروري بهذه، وقد تبينت الآن أني أملك البلاد، وعلمت أن ملكي قد استقر وثبت. ثم صار إلى المقام وصلى ركعتين ثم عاد إلى المخيم في الميدان وأطلق المكوس والضرائب، وسامح بأموال عظيمة وجلس للهناء بفتح حلب، فهنأه جماعة من الشعراء بعدة قصائد ذكرها العماد صاحب كتاب الروضتين.
ومن عجيب الاتفاقات أن محيي الدين بن الزكي قاضي دمشق مدح السلطان بقصيدة منها قوله:
وفتحكم حلبا بالسيف في صفر ... مبشّر بفتوح القدس في رجب
فكان الأمر كما ذكر، فإن السلطان فتحت له القدس في رجب سنة ٥٨٣.
[فتح حارم وغير ذلك من الحوادث:]
ثم إن السلطان طلب حارم من صاحبها سرخك- الذي كان ولاه الملك الصالح- فامتنع عليه وكاتب سرخك الفرنج، ففطن أهل حارم بذلك ووثبوا عليه وأمسكوه وسلّموا