وعليه فإن التاجر معذور على إجابة طلب الضباط، فيصرف لهم الورقة النقدية التي سعرها في التجارة ثلاثون قرشا مثلا بليرة من الذهب قيمتها في التجارة مائة وسبعة وعشرون قرشا، فيلحقه بسبب هذه الصّرافة خساة عظيمة. وكثيرا ما كان الوالي والقائد العسكري يعرضان على جماعة من التجار أن يصرفوا لهما خمسة آلاف ورقة نقدية مثلا بخمسة آلاف ليرا ذهبا، بحجة أنهما يريدان شراء مواش من العربان الذين لا يقبلون قيمة مواشيهم إلا نقودا ذهبية.
وقد سبق لنا بيان فساد هذا العذر في الكلام على حوادث سنة ١٣٣٣.
[إخراج الناس من بيوتهم قهرا:]
ومن الأحوال التي نفرت القلوب إخراج أسر كثيرة من أماكنهم جبرا قسرا وجعلها مسكنا لضابط أو مستشفى، أو محلا لإقامة العساكر أو مستودعا للذخائر والمهمات.
وكانت جهة العسكرية لا تهمل سكان هذه المحلات غير مدة قليلة بحيث لا يمكنهم أن يتمكنوا في خلالها من أن يظفروا بمكان يأوون إليه، فمتى انقضت مدة المهلة تهجم الجنود على المحل ويخرجوا منه أهله ويأخذوه مجانا بلا أجرة، وربما دفعوا لصاحبه بعد عناء طويل أجرة ورقا نقديا لا تبلغ خمس أجرته الحقيقية بل هي لا تفي بما هو محتّم على المحل من الضرائب الأميرية التي لا بد من دفعها، سواء انتفع به صاحبه أم لم ينتفع.
ثم لا تسل عما يجري على المحل الذي يحتله العسكريون من تحطيم البلاط وتكسير الملاط «١» ، وتشويهه بالدخان وحرق أغلاقه وتحطيم زجاجه. هذا ما كانت تفعله في المحلات المذكورة عساكر الأتراك، أما عساكر الألمان فإنهم كانوا يأخذون المحلات اللازمة لهم من أهلها برضاهم وحسن اختيارهم ويدفعون لهم أجرة مثلها وزيادة، وهم مع ذلك محافظون على عمرانها بل ربما صرفوا على تحسينها شيئا من أموالهم، فلذا كان الناس يرغبون معاملتهم ولا يمتنعون عن إجابة طلباتهم.
[تظاهر جهلة الأتراك ببغض العرب:]
ومن الأمور التي كانت تنفّر قلوب أهل البلاد العربية وتسيء ظنونهم بنوايا الدولة العثمانية: ما كانوا يسمعونه من وقت إلى آخر من الألفاظ القبيحة التي يفوه بها سفهاء