أباريق من الصفيح ضمنها ماء السمرمر، فيعلقونها على جبهة منبر الجامع الكبير ويأخذون عليها من ولاة حلب عطية جرت العادة على أخذها منهم. وقد لاحظتها في سنين كثيرة فلم أر منها أقل فائدة.
[غدر والي حلب بالحلبيين:]
وفي هذه السنة أيضا انفصل قباد «١» باشا. فسرّ الناس بذلك سرورا عظيما إذ تخلصوا من ظلم صوباشيّه «٢» . وأظهر واحد من الحلبيين لقاضي حلب أمرا بالتفتيش على الصوباشي المذكور، فأرسله القاضي مع الأمر صحبة المحضرباشي «٣» إلى قباد باشا، وتبعه باقي المدعين على الصوباشي وجماعة من غوغاء الناس، ينتظرون ماذا يؤول إليه حال المتخاصمين، ووقفوا بباب دار الحكومة ودخل المدعي المذكور والمحضرباشي إلى قباد باشا، فأمسكه عنده يومين ثم جدع أنفه وأطلقه، وأظهر أن القاضي أشار إليه بذلك مع المحضرباشي، وأنه لو لم يفعل به ذلك لهجم الناس عليه وقتلوه كما قتلوا قرى قاضي السالف ذكره. ثم كتب قباد باشا إلى الباب العالي أن الحلبيين اجتمعوا متسلحين بباب الحكومة ليقتلوه ويدخلوا منزل الحضرة السلطانية الذي حلّ ركابها فيه قديما.
وأما قاضي حلب فإنه حامى عن الحلبيين وكتب عكس ما كتب الوالي، غير أن عرض الوالي وصل إلى الباب العالي قبل عرض القاضي، وشاع في حلب أنه سينفي منها جماعة إلى بغداد. ولما وصل عرض القاضي طلب المحضرباشي إلى الباب العالي، فأحضره القاضي لديه وأشهد على إقراره جماعة ثقات بأنه لم ير أحدا متسلحا بباب الحكومة. ثم توجه إلى الباب العالي وبرّأ الحلبيين عن تهمة قباد باشا ثم أمر الباب العالي فرهاد باشا أن يسير إلى حلب ويفحص عن حقيقة هذه المادة فحضر وفحصها من دوزدار القلعة وغيره، وظهر له أن الحلبيين مظلومون فيها.
وفي هذه السنة استقر فرهاد باشا واليا في حلب. وكان عادلا عفيفا ظريفا مطّرح الكلفة، له ولع بالحديث حتى إنه كان يقول: أنا أحفظ ثلاثمائة حديث. إلا أنه أكب