الأسافل من كل ملّة وانضم إليهم زعانف الأعراب المجاورين لحلب وهجموا كالسيل الجارف على مستودعات الجنود التركية والألمانية والثكنة العسكرية القديمة المعروفة بالشيخ يبرق، والحديثة الكائنة على جبل البختي، وعلى مكاتب الحكومة ومستشفيات الجنود، ونهبوا جميع ما وجدوه في هذه الأماكن من السلاح والقذائف والأقمشة والحبوب والمنسوجات والصوف والقطن وأنواع الحديد والأخشاب والصابون والرز والسمن والزيت، وكان شيئا كثيرا. واقتلعوا أغلاق هذه الأماكن ورفوفها ونهبوا صناديقها وكتبيّاتها وما في ذلك من السجلات والدفاتر التي لا فائدة لهم منها سوى جلودها، فأما ما فيها من الأوراق فكانوا ينثرونها ويطرحونها تحت أقدامهم. وكان بعض هؤلاء الأوباش يدخلون المستشفى وينهبون جميع ما فيه، ثم يطرحون المرضى عن أسرتهم ويأخذون مفارشهم، وربما جردوا المريض من ثيابه وتركوه مطروحا على الأرض. وقد بيعت غدّارة المرتين «١» بخمسة قروش، وصندوق القذائف المعروفة بالخرطوش بقرشين.
فاستولى الخوف على القلوب وأسرع التجار إلى إغلاق حوانيتهم خوفا من هجوم الأشقياء عليهم. وأمسى الناس في أمر مريج «٢» لا يأمن الإنسان على نفسه وماله من التفاف هؤلاء الأسافل إلى منزله ونهب ما فيه والتعرض إلى حرمه.
[انفجار لغم:]
وبينما كان الناس على هذه الحالة المكربة إذ سمع وقت الغروب هزيم «٣» انفجار صمّت له الآذان كأنه صوت مائة صاعقة انقضّت في آن واحد، فانخلعت القلوب هلعا وارتعدت الفرائص، واهتزت أرجاء البلدة وجدرانها وتحطم كثير من زجاج النوافذ. وظن الناس لأول وهلة أن القائد العسكري بدأ بإطلاق كرات المدافع على البلدة ليخربها، فأيقنوا بالهلاك. ثم ظهر أن هذا الهزيم هو صوت انفجار مستودع بارود قديم في الثكنة العسكرية؛ كانت العساكر التركية وضعت فيه لغما انفجر بيد أحد الناهبين. وحينئذ اطمأن الناس