فيها عزل المرحوم رائف باشا عن ولاية حلب، وكان وزيرا شهما جمع بين القوة والأمانة. وقد أثر في حلب آثارا حسنة، منها منتزه السبيل وبرج الساعة والجادة الكبرى الممتدة من حضرة مزار السهروردي إلى محطة الشام، والجسر العظيم المضروب على نهر قويق في هذه الجادة الذي تضاف إليه. وله في حلب غير ذلك من الآثار التي يثني عليه لسان حالها مدى الأدهار. وكان السلطان عبد الحميد يحذره ويسيء به ظنونه، لاعتقاده به أنه يسير في الدولة على منهاج مدحت باشا بطل الدستور العثماني، لأنه كان معاونا له في ولايته على بغداد.
ولما عزل الآن عن ولاية حلب أسرع الرحيل عنها إلى وطنه استانبول فتوجه إليها بحرا عن طريق إسكندرونة. ولما وصل إلى المحل المعروف باسم قرق خان قرب مدينة بيلان وصل إلى وكيل الوالي بحلب- علي محسن باشا- رسالة بالبرق فحواها أنه صدرت إرادة سنيه بتوقيف رائف باشا عن السفر إلى استانبول. فبلّغه وكيل الوالي هذه الرسالة وهو في قرق خان، فبقي هناك مدة كالمنفيّ. ثم وردت رسالة أخرى بعوده إلى حلب فعاد إليها ونزل ضيفا كريما في منزل المرحوم أحمد أفندي كتخدا. وكان سبب توقيفه عن السفر أن بعض كبار الأتراك المنفيين في حلب سعوا به سرا لدى السلطان عبد الحميد وألصقوا به تهمة الطعن والتنديد بالسلطان، وأنه أزال أثرا عظيما من آثار السلطان سليمان خان، وهو القسطل المعروف باسم قسطل السلطان- الذي أسلفنا الكلام عليه في محلة بحسيتا من الجزء الثاني- وأنه بعد أن محا أثره بنى في موضعه برج الساعة الذي هو من بدع الفرنج. وأنه فعل غير ذلك من الأمور التي لا تنطبق على أحكام الشرع الشريف،