وفيها دخل أهل طرسوس بلاد الروم غزاة. ودخل أيضا «نجا» غلام سيف الدولة من درب آخر، فأوغل أهل طرسوس في بلاد الروم حتى دخلوا قونيه وعادوا. وكان سيف الدولة ينتظر الغزاة على رأس درب من تلك الدروب ولم يسر معهم لأنه كان مريضا ولما صحّ خاف هبة الله وهرب إلى حرّان وأشاع أن عمه مات وتحالف مع أهلها على الحرب والسلم، فأرسل سيف الدولة غلامه «نجا» إلى حرّان وهرب هبة الله إلى الموصل ونزل «نجا» على حرّان وقبض أهلها وصادرهم على ألف ألف درهم وشرط عليهم تأديتها بخمسة أيام بعد الضرب المبرّح بحضرة عيالاتهم وأهليهم، فباعوا ما يساوي دينارا بدرهم لعدم وجود من يشتري غير أصحاب «نجا» . ثم افترق أهل حرّان وبقيت بلا وال وسار «نجا» إلى ميّافارقين حيث كان سيف الدولة.
[سنة ٣٥٣ عصيان «نجا» على سيف الدولة:]
فيها عصى «نجا» على سيف الدولة بطرا بما صار معه من الأموال التي أخذها من أهل حرّان، وانضم إليها ما أخذه بعد من أبي الورد المستولي على كثير من أرمينية حينما قصده «نجا» وقتله وأخذ أمواله وقلاعه وبلاده: خلاط، وملا ذكرد، وموش. فتمكن بهذه الأموال وأظهر العصيان على مولاه سيف الدولة، فقصده سيف الدولة ليقاتله على عصيانه فهرب منه واستولى سيف الدولة على بلاده ثم كاتبه يرغبه ويرهبه حتى حضر عنده فأكرمه وأعاده إلى مرتبته. ثم وثب عليه غلمان سيف الدولة لأنه تعرض إلى أحدهم، فقتلوه وطرحوه في مجرى الماء والأقذار إلى الغد ثم دفن.
[سنة ٣٥٤ استيلاء نقفور على المصيصة:]
فيها حاصر نقفور ملك الروم المصيصة وفتحها عنوة، ثم رفع السيف عمن بقي من المسلمين ونقلهم إلى الروم وكانوا مائتي ألف، ثم أمّن أهلها وكان بها أربعون ألف فارس، وسار أهلها عنها في البر والبحر، وجهز معهم من يحميهم إلى أنطاكية، ولقيهم أهل أنطاكية بالبكاء والنحيب وكان في مقدمة الطرسوسيّين «١» رجل يقرأ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ