هذا وإن الجفّال «١» من أهل حلب بعد انجلاء التتر عن هذه البلاد بدأ من بقي منهم حيا يعودون إلى حلب ويشتغلون بتعمير مساكنهم وقد عادوا إلى أحسن ما كانوا عليه من حسن الجوار ومكنة الجامعة الوطنية مستمرين على ذلك إلى سنة ٨٠١ هـ/ ١٣٩٨ م وفيها تواردت الأخبار على حلب بتحرك جيوش التتر المنسوبين إلى الطاغية تيمور لنك فاستولى الذعر على أهل حلب وأجفلوا عنها ومن بقي منهم فيها أصبح بعد أن دخل إليها تيمور في السنة التالية حصيد سيوف جنوده إلا من سلم الله وقليل ما هم. وبعد انتهاء هذه الحادثة عاد إلى حلب أولئك الجفّال واستأنفوا العمل بلّم شعثهم ورمّ منازلهم وخططت الحكومة الجركسية المحلة الجديدة لسكنى المسيحيين خاصة فبنوا فيها منازلهم ومعابدهم وساد الأمن والسلام بين الأنام. ولما دخل السلطان سليم خان الثاني إلى حلب ورأى قلة من فيها من التجار نقل إليها من البلاد المجاورة أربعين أسرة من التجار المسلمين ومثلها من التجار المسيحيين، أسكنهم في زقاق الأربعين المنسوب إليهم.
[المذهب الأرتودكسي والمذهب الكاثوليكي في حلب]
الطوائف المسيحية منذ وجدت في حلب، أي قبل الفتح الإسلامي وبعده، كانت تدين بالمذهب الأرتودكسي. وكانت رؤساء الطوائف يتحامون الكثلكة وينفرون منها كما أن الحكومات الإسلامية كانت لا تحب أن ينتشر هذا المذهب في مسيحييّ بلادها لاعتقادها به أنه مذهب أهل الحرب من الفرنج وغيرهم. ولذا بقي المذهب الكاثوليكي غير معروف في الشرق ولا متّبع فيه. حتى قامت الحروب الصليبية واستولى الصليبيون على بيت المقدس. ومن ذلك الوقت بدأ هذا المذهب ينبث في الشرق وعلى تمادي الأيام انتشر بين جميع الطوائف المسيحية فلم يبق منها طائفة إلا انقسمت إلى قسمين أرتودكسية وكاثوليكية.
قال في كتاب عناية الرحمن في هداية السريان ما خلاصته: إن البابا غريغوريوس أرسل إلى الأمم الشرقية في أيام استيلاء الفرنج على القدس سنة ١٣٢٧ م/ ٦٣٥ هـ رهبانا دومنكيين. وفي ذلك الحين حج إلى أورشليم (أغناطيوس داود) بطريرك السريان اليعاقبة