فإن النصر كان حليف الفريق الثاني لاجتماع كلمة دوله على غرض واحد وهو الفوز والانتصار، ولتوحيد حركاتهن طوعا لرأي واحد، ولانتظام مهماتهنّ وطواعية أجنادهن الذين يقاتلون بصدق وإخلاص ويسمحون بتضيحة أنفسهم دفاعا عن أوطانهم وحفظا لشرفهم لا طمعا بأجرة يرونها جزءا لا يتجزأ من ثمن أرواحهم.
ثم في آخر سنة من سني الحرب انضمت دولة أميركا إلى دول الاتفاق فانعكس الحال وانتهت الحرب بفوزها، وقد فتك الجوع بالنمسا واضطرها أن تنفرد بالصلح، ثم تبعتها البلغار وحذت حذوها. وبسبب ذلك انقطع خط الاتصال بين تركيا وحلفائها ودب الرعب في قلوب عساكرها وانكسرت معنوياتهم، فانسحبوا من سوريا تطاردهم جيوش الإنكليز بمعونة عرب الشريف. وحينئذ تقررت الهدنة ووقفت رحى الحرب.
[أسباب هذه الحرب:]
لهذه الحرب سببان: أحدهما أولي والآخر ثانوي نتكلم عليه بعد.
السبب الأوليّ:
السبب الأولي الذي اضطر كل دولة من دول الاتفاق إلى أن تطرح ما بينها وبين الدولة الأخرى من الدخل والضغن- ويكنّ جميعا يدا واحدة في إشهار هذه الحرب- هو تضخم دولة ألمانيا وتوجس الدول الخيفة من غائلتها، وتوهمهنّ أنها بعد قليل من الزمن ستجرها قوة معداتها البرية والبحرية ومهارتها في الفنون الحربية إلى الطمع باكتساح أوربا وابتلاع الدنيا، الأمر الذي كان يتجسم شبحه المريع في أعين دول الاتفاق غولا مرعبا مكشّرا عن أنيابه الحديدية يتطاير من عينيه الجهنميتين نار شرر حاطمة تلتهم أوربا بأسرها.
على أن بعض الساسة من الغربيين ينكر على دول الاتفاق ما يتوهمنه من غائلة هذا التضخم ويقول: إن جدّ ألمانيا في بلوغها تلك الدرجة من التضخم لم يكن لها من ورائه غرض ترمي إليه سوى ترقي اقتصادياتها وحفظ كيانها وصد هجمات المحدقين بها من أعدائها، وإنها لا تفكر قط بالفتح والاستعمار أو التعدي على الجوار والأغيار.
وسنورد بعد قليل نبذة من الكلام على تضخم إيمبراطورية ألمانيا وما بلغته من التفوق والعظمة في فنون الحرب والاقتصاد وغيرهما.