من جهة خراب البلدة ولكنهم ما زالوا خائفين من بعضهم، وكان أراذل الناس وغوغاؤهم الذين نهبوا السلاح من المستودعات يطلقون هذه الليلة في منازلهم عياراتهم النارية على صفة لا تنقطع، فكنت تسمع في الدقيقة الواحدة صدى ألوف من الطلقات.
[سقوط حلب:]
يوم الجمعة عشرين محرّم (١٣٣٧) الموافق ١٢ تشرين الأول سنة ١٩١٨ م، و ٢٩ أيلول سنة ١٣٣٤ شرقية، أصبح الناس وعيونهم لم تذق الغمض وهم خائفون وجلون، والأوباش عادوا إلى ديدنهم الأول من النهب والسلب، وبعد أن نهبوا المكتب الرشدي العسكري الكائن في شمال مستشفى الغرباء تحت القلعة، ألقوا في قسمه الشمالي النار فاحترق ولم يبق في البلدة حاكم ولا رادع. وكنا نسمع في كل برهة من الزمن فرقعة ألوف من البنادق فكنا نظن أنها فرقعة بنادق المتحاربين من الجنود التركية والإنكليزية عند قرية الراموسة. ثم تبين أن هذه الفرقعة هي صدى المواد النارية التي تحرقها الجنود التركية والألمانية في المحطات ومستودعات الأعتاد الحربية. وكان بعض الناس يسمع دوي المدافع التي يطلقها جنود الأتراك والإنكليز على بعضهم قرب خانطومان.
[قدوم عرب العنزة إلى حلب:]
وفي عصر هذا اليوم أقبل على حلب من جهة باب النيرب طائفة من عرب العنزة- الذين يرأسهم الشيخ مجحم المهيدي- وكان مواليا للحكومة العثمانية، وفي الأيام الأخيرة أعطته مبلغا وافرا من النقود والسلاح وكلفته القيام بحراسة أطراف البلدة وبعض القرى المجاورة لها وحفظ بعض مدخرات الحبوب الكائنة في القرى كقرية الجبّول وقرية دير حافر وغيرهما. ثم في هذه الأثناء قبضت الحكومة على بعض أشخاص من عشيرة الشيخ مجحم فاغتاظ من هذا العمل إلا أنه كظم غيظه. فلما كان عصر هذا اليوم علم أن عرب الشريف قد اقتربوا من حلب وأن العساكر التركية قد انسحبوا منها إلا قليلا منهم؛ أمر عشيرته- وكانوا زهاء ثلاثين فارسا- أن يهجموا على سجون حلب ويفتحوا أبوابها ويطلقوا منها سراح جميع السجناء. ففعلوا ذلك، وكان بين الجماعة المهاجمين غلام من أنسباء الشيخ مجحم أصابته رصاصة من حارس السجن فوقع قتيلا، فهجم العربان على