في آذار الرومي هذه السنة (١٢٨٧) في ضحوة يوم من أيامه زلزلت حلب زلزلة قوية بحيث أيقظت من كان نائما وسقط بها بعض شرفات من سور القلعة وعدة جدران متوهنة.
ولم يمض غير بضع ساعات حتى ورد من أنطاكية للوالي تلغراف يفيد أنه في الوقت المذكور حدث هناك زلزال قوي أتى على جميع أبنية أنطاكية، بحيث لم يبق منها إلا القليل النادر، فانهدمت البيوت والجوامع والخانات وبعض الحمّامات، ومات تحت الردم خلق كثير، والأحياء كلهم خرجوا على وجوههم إلى الصحراء ليس عندهم قوت ولا خيمة يأوون إليها مسلمين أنفسهم لحر الشمس وبرد الليل. ثم أخذ يتوارد من التجار وغيرهم المقيمين في أنطاكية تلغرافات، مثالها ما ذكر. فشاع الخبر عند الحلبيين فضجوا واضطربوا، وخرج كثير منهم إلى البساتين والبرية، فمنهم من ضرب خياما وأقام تحتها هو وأهله وولده، ومنهم من باشر عمل بيوت من الخشب ليقيم بها كذلك. ثم بعد ليلة أو ليلتين في أواسط الليل اهتزت الأرض مرة ثانية هزة خفيفة لم يحدث منها ضرر.
وهكذا استمر الحال في كل بضع ليال تهتزّ هزة خفيفة دون أن يحصل منها ضرر.
وكانت في أنطاكية كلما اهتزت أضرّت، حتى بقي أهلها في أسوأ حالة. وأخذت الحكومة تتدارك لهم الإعانة من القوت والخيم وأرسلت ذلك إليهم، إلى أن فرّج الله عن عباده، ودخل شهر نيسان وانقطع الزلزال واطمأن الناس ورجع أكثرهم إلى منازلهم وباشر أهل أنطاكية تعمير بيوتهم. وفي سنة ١٢٨٨ ولي حلب ثريّى باشا ثانية. ثم في سنة ١٢٨٩ وليها الحاج علي باشا، ثم سامح باشا. وفي سنة ١٢٩٠ وليها كورد أحمد باشا. وفي سنة ١٢٩١ وليها رشدي باشا الشرواني، الصدر الأسبق، فلم يلبث غير تسعة أيام واليا وصرف عنها إلى ولاية الحجاز، وصحبني معه إماما. وولي حلب مكانه محمد رشيد باشا ثانية وكان وليها سنة ١٢٧٥ وفي سنة ١٢٩٢ وليها سامح باشا ثانية، ثم أسعد مخلص باشا.
[انقضاض صاعقة:]
وفي نيسان الرومي من هذه السنة انقضت صاعقة في محلة البياضة فقطّت «١» نحو