وفي سنة ٩٦٢ حدث طاعون جارف أهلك العباد وأطار الرقاد وتلف فيه ما لا يعدّ ولا يحصى. وقدر بعضهم أنه هلك فيه عشر سكان حلب.
[إحضار ماء السمرمر إلى حلب:]
وفي سنة ٩٦٤ أرسل قباد باشا والي حلب رجلا أعجميا إلى ما وراء أصبهان لإحضار ماء السمرمر «١» إلى حلب بسبب جراد مهول كان بها، وحقيق عوده إليها. وحسّن قباد باشا لأرباب الأموال أن يجمعوا للرسول مالا فجمعوا له ما ينوف على مائتي دينار سلطاني، ودفعوا له بعضها ووعدوه بالباقي إذا عاد بالمراد. فذهب وعاد في سنته ومعه الماء فخرج الناس إلى لقائه ودخلوا به بالتهليل والتكبير.
ولما كان من تمام خاصّة هذا الماء ألّا يدخل تحت سقف- كما زعموا- كان مستصحبه إذا وصل إلى بلدة يسحبه بحبل من فوق بابها، حتى وصل إلى حلب، فسحب من فوق سور باب قنّسرين إلى أن أريد سحبه من أعلى سور القلعة فعارض دوز دارها «٢» ومنع ذلك. وعندها وضعوه على قبة التكية الخسروية، وكان الجراد قد غرس في الأرض، فأخذت الحكومة بجمعه من أطراف حلب وهو كالذباب «٣» فجمعوا منه- بضبط قاضي حلب- مائتي ألف كيل استانبولي، على كل بيت كيلان فيما زعموا، وألقوه في الحفر والآبار المهجورة. فلم يمض القليل من الزمان إلا وكبر ما بقي وزحف على البساتين، فحرّك الماء المذكور ليجيء السمرمر بتحريك الشيخ محمد الكواكبي ومعه مريدوه فلم يفد، فزعم الناس أن خاصيته انقطعت إذ لم يكن الوارد به من أهل الصلاح والشرط أن يكون منهم.
قلت: أدركنا في زماننا أن جماعة من الدراويش المنسوبين إلى الطريقة البكداشية يحضرون إلى البلاد الشامية في أكثر السنين التي يشيع فيها غرس الجراد، ويحضرون معهم