لهذا البحران أسباب عديدة منها إغلاق الأناضول أبوابه في وجه تجارة البضائع المعدودة من الكماليات. ومنها غلاء أجور النقل بالسكة الحديدية فإن بعض البضائع قد تساوي أجرة نقلها قيمتها. ومنها تلاعب الصيارفة والمحتكرين بالأوراق النقية والنقود الذهبية.
إلى غير ذلك من الأسباب التي يطول شرحها. حول الله الحال إلى أحسن حال.
[المعارف في حلب]
لم تلبث حلب بعد الفتح غير قليل من الزمن حتى نشأ فيها الجم الغفير من العلماء والمحدّثين الذين يقصدهم طلاب العلم من البلاد القاصية. ففي كنوز الذهب ما خلاصته أن حلب بلدة العلماء والمحدثين والنحاة وقد دخلها العلماء قديما وسمعوا بها. فمنهم سليمان ابن أحمد الطبراني أبو القاسم، قدم حلب سنة ٢٧٨ وسمع بها أحمد بن الخليل الحلبي وأحمد ابن المسيب وعبد الله بن إسحاق الصفري. ومنهم شيخ الإسلام أبو داود سمع فيها مؤمل الرملي وابن بويه الربيع بن نافع. ومنهم سعيد بن عثمان بن السكن سمع بحلب عبد الرحمن ابن عبد الله وجماعة. ولو أخذنا في تعداد محدثيها لطال علينا. وقال قبل ذلك ببضعة أسطر:
ودخلها أحمد بن حنبل وخلف بن سالم. اه.
وكان العالم يقرئ الطلبة في المساجد والبيوت لأنه لا يوجد فيها مدارس في تلك الأيام وقد وجد في حلب أيام سيف الدولة فحول من العلماء الأغراب والحلبيين والشعراء المبرزين لأنه كان شديد الميل إلى العلم والأدب وافر العطايا والإكرام لذويهما. يضاف إلى ذلك تحسين موقع حلب من البلاد بسبب اتساع الفتوحات في جهتها الشمالية مع كثرة خيراتها ورخص أسعارها. ولهذه المحسنات العظيمة صارت منتجع جهابذة العلم والأدب وإليها ينسابون من كل فج وحدب فاجتمع فيها زمن سيف الدولة عدة أفراد من أساطين الشعراء وجهابذة العلماء كالمتنبي وكشاجم وابن خالويه وأبي علي الفارسي وكثير ممن هو في طبقتهم كما ستراه مسطورا في باب تراجم الأخيار إن شاء الله تعالى.
ومن تلك الأيام كان ابتداء شهرتها بالعلم، فلما جاءت دولة بني مرداس واقتدت بالدولة الحمدانية من جهة التفاتها إلى العلم وأهله زاد إليها تردد العلماء من الأقطار وعلا شأنها وارتفع بالعلم منارها، وصار البعض من أهلها يشتغلون بالعلوم العربية والحديث